أحدث الأخبار
  • 09:21 . الإمارات تُدين بشدة إطلاق الاحتلال النار على الدبلوماسيين في جنين... المزيد
  • 07:20 . وسط الأزمة مع الجزائر.. أبوظبي تتوسع في المغرب بصفقة تتجاوز 14 مليار دولار... المزيد
  • 07:09 . إيران: علاقتنا مع السعودية في "وضع ممتاز" وتعاون اقتصادي يلوح في الأفق... المزيد
  • 11:20 . البنتاغون يقبل رسميا الطائرة الفاخرة التي أهدتها قطر للرئيس ترامب... المزيد
  • 11:10 . عبدالله بن زايد يبحث مع نظيره الأذربيجاني تعزيز فرص التعاون... المزيد
  • 11:03 . مقتل جنديين في هجوم على قاعدة جوية روسية في سوريا... المزيد
  • 10:57 . طالب إماراتي يحصد المركز الأول في الكيمياء بمعرض "ISEF"الدولي... المزيد
  • 10:54 . أمريكا: مقتل موظفيْن بسفارة الاحتلال الإسرائيلي في إطلاق نار أمام المتحف اليهودي بواشنطن... المزيد
  • 10:16 . صحوة متأخرة للضمير الأوروبي... المزيد
  • 10:05 . "فلاي دبي" تستأنف رحلاتها إلى دمشق بعد 12 عاماً من التوقف... المزيد
  • 07:36 . قوات الاحتلال تطلق النار على دبلوماسيين في جنين.. وإدانات دولية واسعة... المزيد
  • 07:17 . بجوائز تبلغ 12 مليون درهم.. إطلاق الدورة الـ28 من جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم... المزيد
  • 06:50 . لماذا تُبقي الشركات على المدير السيئ؟... المزيد
  • 12:34 . "رويترز": القيادة السورية وافقت على تسليم متعلقات كوهين لـ"إسرائيل"... المزيد
  • 11:31 . فرنسا وبريطانيا وكندا تتجه للاعتراف بدولة فلسطين... المزيد
  • 11:25 . الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا.. والتعاون الخليجي يرحب... المزيد

تطعيم الوقاية من المؤامرة

الكـاتب : ماجد محمد الأنصاري
تاريخ الخبر: 18-10-2016


خلال الأسبوع الماضي كان الشغل الشاغل للمجتمع القطري سواءً على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الإعلام أو المجالس، هو حقيقة خطورة بعض أنواع التطعيمات على صحة الأطفال، تطور النقاش وتدحرج ككرة ثلج هائلة، حتى اضطرت وزارة الصحة العامة إلى إصدار بيان حول المسألة لتوضيح الالتباس، وحقيقة لست في مقالي هذا معنياً بالمسألة من الناحية الطبية، فلست طبيباً ولا مختصاً في مسائل الصحة العامة، ولا أكاد أعرف أنواع التطعيمات التي تلقيتها أو يتلقاها أطفالي، لكن ما يعنيني هو البعد الاجتماعي والسياسي لمثل هذا النقاش وطبيعته وتأثيراته.
النقاش في الحقيقة حول الارتباط بين تطعيم ثلاثي ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية وبين التوحد، يعود لدراسة أجراها باحث بريطاني هو أندرو ويكفيلد نشرت عام 1997 في مجلة علمية طبية مرموقة، تشير إلى وجود ارتباط بين التطعيم وزيادة حالات التوحد في بريطانيا، وعلى الرغم من أن الدراسة تعرضت لانتقادات منهجية عديدة، ونفذت بعدها العديد من الدراسات التي تناقضها، إلا أنها انتشرت انتشار النار في الهشيم، هذه الدراسة أثارت حالة تخوف عامة من التطعيم خاصة في الولايات المتحدة، لكنها أخذت بعداً سياسياً، جاءت نتائج دراسة ويكفيلد على هوى قطاع واسع من الأميركيين من سكان الأرياف والمحافظين الذين يغلب عليهم عدم الثقة في الحكومة خاصة الاتحادية، وتحولت القضية تدريجياً إلى اصطفاف سياسي تستغل فيه مسألة مقاومة التطعيم كجزء من مقاومة ما يراه هؤلاء على أنه تدخل الحكومة في حياة الأفراد، والمطلع على السياسة الأميركية يعرف مركزية هذه القضية بالنسبة لليمين الأميركي، وخاصة سكان الأرياف والولايات التي تسمى بحزام الإنجيل، ويقدر مركز مكافحة الأمراض والأوبئة الأميركي أن العزوف عن التطعيمات في عام 2010 أدى إلى وفاة 10 أطفال على الأقل، بأمراض كان من الممكن تجنبها باستخدام التطعيم.
تحولت مسألة التطعيمات هذه إلى نظرية مؤامرة كبيرة، تدعي أن الحكومات تخفي الأبحاث المؤيدة للعلاقة بين التطعيم والتوحد لصالح شركات صناعة الأدوية، وأن هذه الشركات تقوم بإسكات أي صوت يسعى لكشف هذه الحقيقة المزعومة، وهذه المؤامرة ليست إلا واحدة من سلسلة طويلة من المؤامرات التي يؤمن بها معادوا الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة، واليوم يستغل ترامب ومن معه هذ النظرية وغيرها لإثارة مؤيديه، وحملهم على الانقلاب عبر صناديق الاقتراع على المؤسسة الرسمية، سواء السياسية أو العلمية، ومن ذلك أيضاً نفي هؤلاء للاحتباس الحراري باعتباره مؤامرة عالمية توظف الباحثين والعلماء للتحكم في المقدرات الاقتصادية للأفراد.
لكن كيف يمكن لنظرية المؤامرة أن تنشأ وتنتشر حتى تصل إلى شواطئنا وتتحول إلى مسألة رأي عام؟ نظريات المؤامرة في الحقيقة تمر جميعها بذات المسار، تبدأ بمجموعة من الحقائق المتناثرة والمعزولة، تتحول إلى تفسير سياسي أو اجتماعي يتوافق مع مراد طرف معين، ينقض هذا الطرف كل ما يخالف هذه الحقيقة أو يدحضها باعتباره جزءا من المؤامرة، بعد مرحلة من الانتشار في السياق العام تضمحل النظرية تدريجياً لتبقى عالقة في أذهان بعض الذين تتوافر لديهم القابلية للإيمان بهذا النوع من الأفكار، خذ على سبيل المثال تلك النظرية القائلة بأن أوباما مسلم متخفٍ، التي تنتشر في أوساط الجمهوريين والمحافظين في الولايات المتحدة، بدأت النظرية من حيث أن والد أوباما كان على الأقل من حيث الأصل مسلماً، وعليه فإن اسم أوباما الأوسط هو حسين، عاش أوباما في إندونيسيا ردحاً من الزمن، كل هذه حقائق لا يختلف عليها أحد، لكن المسألة تنمو، فجأة تخرج وثيقة غير معروفة المصدر تثبت أن أوباما لم يولد في الولايات المتحدة، ثم أخبار متداولة حول لقاءات سرية لأوباما مع مسلمين، ثم تفسر هذه النظرية تقاعس الرئيس الأميركي في حربه ضد تنظيم الدولة باعتباره «سراً» يؤيد المتطرفين الإسلاميين، لاشك أن هذا كلام فارغ بكل المقاييس، وغالباً سيتفق معي القارئ، لكن عندما ينظر شخص من خارج محيطنا إلى نظريات المؤامرة التي نسوقها كثيراً في عالمنا يتكون لديه انطباع مشابه.
نظرية المؤامرة تعتمد على أربعة أركان: يقدمها غير مختصين أو مختصون يتكلمون خارج قواعد الاختصاص، تفسر النظرية أية وجهة نظر أو حقيقة مخالفة على أنها جزء من المؤامرة بالتالي لا يمكن القبول بها، تقوم النظرية غالباً على التشكيك بحقائق أكثر من طرح حقائق بديلة واضحة وبالتالي يضطر الطرف الآخر إلى الدفاع، يعتبر المؤمنون بالنظرية أن من لا يؤمن بها أو يخالفها هو إما ساذج أو مستفيد من المؤامرة وبالتالي لا يمكن القبول بنقاش علمي واقعي حول المسألة، لكن هل يعني هذا أنه لا توجد مؤامرات؟ بالطبع لا، أصحاب المصالح السياسية والاقتصادية يتآمرون هنا وهناك لتحقيق أهدافهم، وهناك الكثير مما لا نعلمه يدور في الخفاء، لكن لا يعني ذلك أن تفسير كل ما يحدث حولنا هو مؤامرة، كما لا يعني ذلك أن هذه المؤامرات تنجح دائماً، المطلوب منا هو ألا نقبل أي ادعاء لا تتوفر له أدلة علمية صريحة وواضحة، وألا نسمح لغير المختصين والمتطرفين في آرائهم بالاستحواذ على الخطاب العام، ليس هذا تقليلاً من شأن أحد أو مطالبة بتسليم أدمغتنا لكل ما هو رسمي، لكن لا بد أن نتحلى بما يكفي من الوعي بحيث لا نكون ضحية طرح ساذج منقوص يتلبس بلبوس الحقيقة والعلم، ربما نحتاج إلى تطعيم لعقولنا ضد هذا النوع من التفكير، لكن يجب أن نتأكد من علاقته مع التوحد أولاً.;