ألقت الأزمة الخليجية التي قادتها كل من أبوظبي والرياض والمنامة ضد الدوحة بظلال ثقيلة على الواقع الاقتصادي للدول المنخرطة في هذه الازمة لا سيما الإمارات وقطر، رغم سعي الجهات الرسمية للتكتم على كل الخسائر ومنع الشركات من نشر أي احصاءات بشأن الخسائر المترتبة على هذه الازمة منذ نحو خمسة أسابيع والتي انعكست سلباً على مواطني دول "التعاون".
هذه القرارات المتعلقة بفرض مقاطعة أو حصار سياسي واقتصادي على الدوحة، سعت للضغط على قطر للاستجابة للشروط التي وضعتها الدول المقاطعة لما يتسبب به هذا الحصار من ضغط على قطر لا سيما فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي من خلال إغلاق الحدود البرية لقطر وإغلاق الأجواء والممرات البحرية لدول الحصار أمام قطر.
تداعيات الحصار على الاقتصاد القطري
ويمثل التبادل التجاري بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى وعلى رأسها الإمارات والسعودية نحو 12 في المئة من إجمالي حجم التبادل التجاري لقطر مع دول العالم، و84 في المئة من حجم التبادل التجاري لقطر مع الدول العربية، حيث سجل التبادل التجاري لقطر مع دول الخليج نحو 10.5 مليار دولار أميركي عام 2016.
لذا كان انعكاس قرار الحصار مباشراً على الاقتصاد القطري حيث مُنيت البورصة القطرية بخسائر جراء الحصار المفروض عليها حيث تراجع المؤشر الرئيسي بنسبة 7.3%، وتهديد استقرار نحو ١١٪ من التجارة الخارجية للدوحة، بما يبلغ ١١.٦ مليار دولار سنويًّا، حيث أن صادرات قطر إلى دول الخليج تجاوزت 19 مليار ريال عام 2016، ما يمثل 95 من مجمل صادراتها، فيما سارع ستاندرد أند بورز مؤشر سوق الأسهم والتصنيف الائتماني إلى تخفيض درجة التصنيف الائتماني لقطر من AA إلىAA- .
و تستحوذ السعودية و الإمارات على 65% من حجم صادرات قطر إلى الدول العربية توقفت تماماً بعد قرار الحصار، و في الربع الأول من العام المالي الجاري تصدرت السعودية الدول المستقبلة للصادرات القطرية – غير النفطية – بنحو 41% من إجمالي الصادرات تليها الامارات بنسبة 32% .
كما تسبب قرار منع الطائرات أو السفن القطرية من دخول أو عبور المجال الجوي أو المياه الإقليمية لكل من السعودية والإمارات والبحرين وإغلاق الحدود البرية مع السعودية إلى ارتفاع كلف الشحن لدى قطر 10 أضعاف، مما تسبب بموجة من غلاء الأسعار للسلع والخدمات في قطر، حيث قامت السعودية بإغلاق معبر «أبو سمرة»، المنفذ البرى الوحيد الذى يربط قطر بالسعودية الذي يمر منه نحو ٨٠٠ شاحنة يوميًّا، وتأثر قطاع الطيران المدنى الذي أجبر على اتخاذ مسارات بديلة لرحلاتها، الأمر الذى سيؤدي إلى زيادة أمد الرحلات ورفع تكلفتها.
استثمارات الإمارات في قطر
ورغم تصريح وزير الاقتصاد سلطان المنصوري أن قطع العلاقات مع قطر لا يوجد له تأثير فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي على الإمارات، إلا أن الإحصاءات تشير لوجود أكثر من تسعين شركة ومؤسسة مملوكة لمواطنين إماراتيين تعمل في قطر، إلى جانب 988 شركة مختلطة قطرية إماراتية، بإجمالي رأس مال يبلغ نحو 4.5 مليارات دولار، مما سينعكس سلباً على حركة التجارة مع الإمارات لا سيما مع دبي التي فقدت موارد مالية مهمة كانت تُجنيها من تجارتها مع قطر من خلال منطقة جبل علي الحرة وغيرها.
و فقدت شركة درينك آند سكل العالمية، التي تتخذ من دبي مقراً لها، أكثر من 10% من قيمتها السوقية هذا العام، حيث أن لديها حوالي (136 مليون دولار) من المشاريع في قطر.
كما أن لدى الشركة عقد بقيمة 343 مليون درهم لبناء المرحلة الأولى من مترو الدوحة المقرر أن يكتمل بحلول عام 2020، حيث لن تتمكن الشركة من إتمام المشاريع التي إلتزمت بإنجازها، فيما كانت شركة داماك العقارية الإماراتية بدأت في شهر مايو/ آيار الماضي ببناء برج سكني فاخر مكون من 31 طابقاً، كما تقوم بتطوير مبنيين شاهقين آخرين في قطر.
كما ساهمت القرارات السياسية المتعلقة بحصار قطر بزعزعة الثقة لدى المستثمرين بمناخ الاستثمار في الإمارات ولا سيما دبي بالدرجة الأولى من خلال إقحام حركة التجارة والاقتصاد بالخلافات السياسية بين الدول والأثر السلبي لتلك السياسات على الحركة التجارية.
وفيما يتعلق بتأثير الحصار على حركة السياحة والتنقل أوضحت إحصاءات مجلس التعاون الخليجي أن 1.3 مليون مواطن من دول مجلس التعاون تستقبلهم دولة قطر سنويا، كما يوجد 40 إماراتياً يعملون في القطاعين الحكومي و الأهلي القطري، في حين يوجد 14 موظفاً قطرياً في القطاعين الحكومي والأهلي في الإمارات، وعلى صعيد التعليم؛ يتلقى 203 طلاب إماراتيين تعليمهم في قطر، مقابل يوجد 11 طالبا قطريا في الإمارات
التبادل التجاري بين البلدين
في حين تسبب هذه القرارات بتوقف صادرات الإمارات إلى قطر والتي بلغت 901 مليون ريال قطري خلال شهر مارس، ثم 957 مليون ريال قطري خلال شهر إبريل من العام الجاري، حيث أن نحو 69% من التبادل التجاري بين قطر و الدول العربية تأتي من الإمارات و السعودية.
وبحسب بيانات العام 2015، تأتي كل من السعودية والإمارات في المرتبة الأولى والثانية من حيث الدول المصدرة للمواد الغذائية إلى قطر وبإجمالي 310 ملايين دولار، وفي تجارة المواشي، تأتي السعودية في المرتبة الأولى للمصدرين والإمارات في الخامسة بإجمالي 416 مليون دولار.
وأما في تجارة الخضراوات تأتي الإمارات في المرتبة الثانية والسعودية في الرابعة من حيث المصدرين وبإجمالي 178 مليون دولار سنويا.
ومن ناحية تجارة الوقود، تأتي البحرين في المرتبة الأولى من حيث المصدرين، والإمارات في المرتبة الثانية وبإجمالي نحو 200 مليون دولار.
أما في المعادن فتأتي الإمارات في صدارة الدول المصدرة لقطر وبإجمالي سنوي يفوق النصف مليار دولار.
كما تعتبر شركة الخليج للسكر، أكبر مصفاة للسكر في العالم، الموجودة في الإمارات، من أبرز الخاسرين من جراء الحصار، نتيجة توقف الإمارات عن تصدير السكر الأبيض إلى قطر.
الغاز القطري
وفيما يتعلق بالغاز الطبيعي والنفط توقعت وكالة بلومبرج ارتفاع أسعار النفط مع تزايد حجم الأزمة بالخليج ، في حين أن واردات الإمارات من الغاز القطري تمثل أكثر من 30% في المتوسط من حجم احتياجاتها الإجمالية من الغاز، فيما أشارت تقارير إعلامية إلى مساعي لدى أبوظبي لاستيراد الغاز من روسيا بديلاُ عن قطر.
لذا يتضح أن الأزمة الخليجية ليس لها خاسر واحد بل إن جميع الأطراف متأثرة سلبا بهذه الإجراءات، والخاسر الأكبر هم مواطنو كل من الإمارات والسعودية والبحرين وقطر، والذين أُقحموا في دوامة هذه الأزمة السياسية دون أن يكون لهم ناقة فيها ولا جمل.