أحدث الأخبار
  • 08:14 . قانون اتحادي بإنشاء هيئة إعلامية جديدة تحل محل ثلاث مؤسسات بينها "مجلس الإمارات للإعلام"... المزيد
  • 12:50 . "قيصر" عن إلغاء العقوبات الأمريكية: سيُحدث تحوّلا ملموسا بوضع سوريا... المزيد
  • 12:49 . الجيش الأمريكي: مقتل أربعة أشخاص في ضربة عسكرية لقارب تهريب... المزيد
  • 12:47 . أمطار ورياح قوية حتى الغد… "الأرصاد" يحذّر من الغبار وتدني الرؤية ويدعو للحذر على الطرق... المزيد
  • 11:53 . "الموارد البشرية" تدعو إلى توخي الحيطة في مواقع العمل بسبب الأحوال الجوية... المزيد
  • 11:52 . 31 ديسمبر تاريخ رسمي لاحتساب القبول بـرياض الأطفال والصف الأول... المزيد
  • 11:50 . حزب الإصلاح اليمني: الإمارات لديها تحسّس من “الإسلام السياسي” ولا علاقة لنا بالإخوان... المزيد
  • 11:46 . عبدالله بن زايد وروبيو يبحثان استقرار اليمن.. ما دلالات الاتصال في هذا التوقيت؟... المزيد
  • 11:38 . موقع عبري: أبوظبي تقف وراء أكبر صفقة في تاريخ “إلبيت” الإسرائيلية بقيمة 2.3 مليار دولار... المزيد
  • 06:03 . بين التنظيم القانوني والاعتراض المجتمعي.. جدل في الإمارات حول القمار... المزيد
  • 01:22 . "رويترز": لقاء مرتقب بين قائد الجيش الباكستاني وترامب بشأن غزة... المزيد
  • 01:06 . فوز البروفيسور ماجد شرقي بجائزة "نوابغ العرب" عن فئة العلوم الطبيعية... المزيد
  • 12:53 . اعتماد تعديل سن القبول برياض الأطفال والصف الأول بدءًا من العام الدراسي المقبل... المزيد
  • 12:05 . ترامب يوسّع حظر السفر إلى أمريكا ليشمل ست دول إضافية بينها فلسطين وسوريا... المزيد
  • 11:59 . السعودية تدشّن تعويم أول سفن مشروع "طويق" القتالية في الولايات المتحدة... المزيد
  • 11:53 . محكمة كويتية تحيل ملف وزير الدفاع الأسبق للخبراء... المزيد

الإنسانية الانتقائية

الكـاتب : ماجد محمد الأنصاري
تاريخ الخبر: 24-11-2015


لا تخلو نشرة أخبار من صور القتلى وأشلاء الضحايا في كل مكان على وجه المعمورة، ومع تطور الأزمات العالمية هنا وهناك يزداد تعداد القتلى حتى أصبح لدينا نوع من التبلد تجاه ما نراه، فربما تعرض علينا صور لألف قتيل في مكان ما فلا يحرك ذلك فينا شعرة، هذه قصة الإنسانية الحزينة، ولكنها واقعنا الذي نعيشه، وقليل منا من يملك أن يغير فيه، وعلى الرغم من ذلك فمن طبيعة الإنسان أن يتأثر أكثر بما يراه إذا كان الضحايا قريبون منه إما جغرافيا أو ثقافيا، أو إذا لامس القتل واقعه المباشر، فحادث يروح ضحيته مئات في أميركا اللاتينية لا يقع علي أو عليك كحادث بنفس عدد الضحايا في بلدي أو بلدك، ومجزرة في دولة لا تربطني معها روابط ثقافية أو دينية ليست كمجزرة في بلد عربي أو مسلم.
إنسانيتنا بطبيعتها انتقائية فهي أكثر تفاعلا مع ما يعنيها ويهمها وأقل تفاعلا مع ما يبتعد عنها، لكن الغريب هو أن تجد من تتدفق إنسانيتهم للبعيد ولا تتحرك للقريب، خلاف الطبيعة الإنسانية، فكلما نسمع عن عملية إرهابية يروح ضحيتها غربيون على أرض غربية يخرج علينا المتعاطفون العرب الذين يشعرونك وكأن الضحايا من أهل بيتهم، لست هنا ضد التعاطف مع الضحايا الأبرياء أينما كانوا، ولكن هؤلاء الذين أتحدث عنهم تنهمر دموعهم كالسيل الجارف على الضحية الغربية ولا يرمش لهم جفن أمام الضحايا من بني جلدتهم.
خذ على سبيل المثال الحادث في باريس، لم يترك البعض شكلا للتضامن إلا وأظهروه بل وشنعوا على أولئك الذين لم يظهروا نفس الحجم من التعاطف، وكالوا الاتهامات لكل من لم يشاركهم العزاء، والملفت هو أن قبلها بشهر فقط وقع حادث إرهابي في أنقرة راح ضحيته نفس عدد الضحايا (128) ووقع فيه أكثر من 500 جريح ولم يرفع المتضامنون العرب شعارات تركيا ولا علمها، ولم ينطلقوا في موكب العزاء المعتاد، بعد حادث باريس بعشرة أيام احتجز إرهابيون رهائن في فندق بمالي وراح ضحية تلك العملية أكثر من 20 شخصا، وعلى الرغم من أن بعضهم غربيون إلا أن متضامنينا كذلك لم يحركوا ساكنا.
هذا التضامن الانتقائي يبدو أنه متأثر بأمور ثلاثة، الأمر الأول هو الحاجة للاعتذار، وهو منطلق من الهزيمة النفسية والانكسار أمام الثقافة الغربية، فيظن ذلك الإنساني الانتقائي أن ثقافته ودينه مسؤولان عن كل عمل إرهابي يقع في العالم فهو من خلال تضامنه المبالغ فيه مع الضحايا الغربيين يعلن براءته من تلك الثقافة، ولكن الواقع هو أن الثقافات لا تنتج الإرهاب، الإرهاب صنيعة ظروف سياسية عالمية تسيطر عليها إرادة غريبة، وأن نعتذر عن تصرفات لا تمثلنا ولم نتسبب في حدوثها وإنما نحن ضحايا لها أمر غاية في السذاجة.
الأمر الثاني الذي أنتج حالة التضامن المبالغ فيها تلك هو تصفية الحسابات المحلية باستغلال الحوادث الإرهابية، فأصحاب أجندة «تعديل المناهج» و «محاربة علماء الدين المتطرفين» لا يكادون يجدون لهم سامعا في الظروف المعتادة، لذلك يستغلون مثل هذه الأحداث ليبرروا هجومهم على كل ما يمثل الدين والإسلام في مجتمعاتنا، فيتهمون خطباء المساجد بدعم الإرهاب ويتهمون المناهج الدينية بأنها تفرخ الإرهاب، ويستغلون الفرصة لضرب مراكز التحفيظ والمراكز الدعوية باعتبارها قواعد للإرهاب، ويتناسى أولئك أن مرتكبي أحداث باريس وغيرها الكثير منهم نشؤوا في مجتمعات غربية ودرسوا في مدارسها والكثير منهم لم تظهر عليه علامات التدين المعتادة.
الأمر الأخير الذي يحرك الإنسانية الانتقائية هو التأثر بالخطاب الإعلامي العالمي، الإعلام يضع بطبيعة الحال ثقلا أكبر على أحداث في عاصمة مثل باريس مقارنة بأماكن أخرى من العالم، وهو أمر طبيعي في الأجندة الإعلامية فباريس وغيرها من العواصم الغربية وجهات سياحية ومراكز اقتصادية، وسيكون لأي عملية تقع فيها آثار سياسية عالمية مما يستدعي متابعة حثيثة، والحكومات الغربية أكثر قدرة على التعامل الإعلامي مع هذه الأحداث وتوظيفها وتسليط الضوء عليها، ولكن من السطحية الاعتماد على ما نراه في الإعلام في تحديد درجة تعاطفنا مع هذه الضحية أو تلك.
أخيرا إنسانيتنا وديننا ابتداء يحتمان علينا احترام النفس البشرية وقدسيتها، ولكن اتهام الذات والتعاطف مع الضحايا من أصحاب الجنسيات الغربية فقط دليل على حالة من الانسلاخ ليس من الانتماء الثقافي الديني فحسب بل من الإنسانية جمعاء، مهمتنا اليوم هي أن تكون إنسانيتنا بقدر الإمكان «إنسانية».