تنشر مؤسسات إعلامية أمريكية بارزة مؤخراً أخباراً تشمل الإمارات العربية المتحدة، إحدى حليفات واشنطن في الخليج العربي، واصفةً هذه البلاد كشريك مفضل في المعركة التي تخوضها الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش).
وذكر القائد السابق للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال أنتوني زيني لصحيفة "واشنطن بوست" في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر إن العلاقة بين الدولتين هي "الأقوى من بين العلاقات التي تربط الولايات المتحدة مع باقي دول العالم العربي اليوم".
وأوضحت «الإذاعة الوطنية الأمريكية العامة» في كانون الأول/ ديسمبر أن الإمارات العربية المتحدة "وضعت نفسها في مكانة الشريك الذي لا غنى عنه بالنسبة إلى واشنطن"، كما عرض مقال في مجموعة "بلومبرغ" الإعلامية في شهر كانون الثاني/ يناير آراء سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن يوسف العتيبة، من بينها أن الإمارات دولة "معتدلة ومنفتحة ومتسامحة".
هذا ويرى البعض أن لدولة الإمارات دور في طفرة الأخبار الجيدة المتداولة في الصحافة حول هذه العلاقة التي تعود إلى عدة عقود. فالإماراتيون يملكون شبكة ضغط ناشطة في واشنطن وتنفق الإمارات العربية المتحدة أموالاً أكثر من تلك التي تنفقها أي دولة أجنبية أخرى لمحاولة التأثير على السياسات الأمريكية.
لكن بغض النظر عن هذا الواقع، تعكس هذه المقالات حساً متنامياً لدى بعض المسؤولين في واشنطن مفاده أن دولة الإمارات هي شريك يسهل التعامل معه عندما يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب. فما السبب وراء ذلك؟
بالطبع، جذب موقف الإمارات العربية المتحدة المتشدد فيما يخص تعريف الإرهابي الكثير من الانتباه، فالقائمة الجديدة التي وضعتها دولة الإمارات لتصنيف الجماعات الإرهابية والتي صدرت في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، تتضمن منظمات على غرار تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، بالإضافة إلى منظمات مجتمع مدني تُعتبر عموماً مجموعات تأييد مسلمة غير عنيفة، بما فيها منظمات أمريكية.
وقد أفاد وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان في مقابلة أجرتها معه قناة «فوكس نيوز» في تشرين الثاني/ نوفمبر أن لدى دولته "معايير صارمة جداً لتحديد التطرف".
غير أن العلاقة الوثيقة التي تجمع دولة الإمارات مع واشنطن حول قضايا الإرهاب لا تعود إلى التعريف الشامل الذي تعتمده هذه الدولة الخليجية لمفهوم الإرهابي، بل إلى المقاربة التي تنتهجها الإمارات العربية المتحدة تجاه العناصر السنية الأكثر تحفظاً في المنطقة، والتي يدعم بعضها جماعات متطرفة في سوريا والعراق وغيرها من الدول.
ويشار إلى أن بعض السنّة في الشرق الأوسط ينظرون إلى جماعات مثل ذراع تنظيم "القاعدة" في سوريا "جبهة النصرة" وفي حالات أقل على ما يبدو إلى تنظيم «الدولة الإسلامية»، على أنها جماعات قتال شرعية وفعالة تحارب نظام الأسد الوحشي في سوريا والحكم الشيعي الإقصائي في العراق. ومن جهتها، لا تقيم الإمارات العربية المتحدة تحالفات سياسية مع هؤلاء المحافظين، سواء داخل الدولة أو خارجها، وذلك كجزء من حساباتها الأمنية.
ويعني ذلك أنه لا يتوجب على دولة الإمارات أن توفق بين سياساتها المناهضة لتنظيمي "القاعدة" أو "داعش" من جهة وأي علاقات عمل سياسية حساسة مع محافظين قد يدعمون هذه الجماعات في سوريا والعراق من جهة أخرى.
كما تختلف هذه المقاربة عن تلك التي يعتمدها شركاء آخرون مهمون في الخليج. فمعظم حكومات الخليج تقيم تحالفات مع المحافظين السنّة لتحقيق أهداف سياسية معينة. على سبيل المثال، تحالفت العائلتان الحاكمتان السنيتان في البحرين والكويت مع إسلاميين سنّة لخلق توازن مع القوى المحلية الأخرى (ويبدو ذلك أكثر وضوحاً في البحرين، فيما يتعلق بالأغلبية الشيعية في تلك الإمارة).
فضلاً عن ذلك، تقربت قطر من إسلاميين سنّة بهدف تعزيز نفوذها وسلطتها في المنطقة والمحافظة عليهما في الداخل.
في المملكة العربية السعودية، تعزز العلاقة بين القادة السياسيين في العائلة المالكة والمؤسسة الدينية السنية الوهابية، البنية الأساسية للدولة، مع أن المخاوف الأمنية في المملكة بشأن جماعات مثل تنظيمي "الدولة الإسلامية" و"القاعدة" قد طغت نوعاً ما على علاقة القيادة مع حلفائها الدينيين.
إن تضييق الخناق في تلك الدول على الدعم المحلي المقدم للجماعات المتطرفة في الخارج الذي لا يشكل خطراً أمنياً مباشراً في الداخل، قد يسيء إلى العلاقات الحساسة مع المحافظين، والتي رأتها حكومات تلك الدول - بعد دراسة معمّقة - أنها تصب في مصلحتها الأمنية.
وفي حين أنّ مقاربة الإمارات العربية المتحدة تجاه المحافظين منعشة بالنسبة للأوساط الأمريكية التي تعنى بسياسة مكافحة الإرهاب، فإن تصنيفها لجميع الإسلاميين ضمن الفئة الإرهابية قد أثار إحباط الكثيرين في واشنطن.
فبغض النظر عن رأي الحكومة الإماراتية أو الأمريكيين عن جماعة "الإخوان المسلمين"، يعتبر مسلمون معتدلون على الصعيد السياسي أن "الإخوان" يمثلون الإسلام السياسي المعتدل، ويميزون بشكل جذري بين أنشطة "الجماعة" ومصالحها من جهة وأنشطة المتطرفين ومصالحهم من جهة أخرى. وقد عبّر 29% من الإماراتيين عن دعمهم لـ "الإخوان" في استفتاء أجراه مؤخراً "معهد واشنطن".
وبالإضافة إلى ذلك، تستند مقاربة الإمارات العربية المتحدة تجاه الإسلاميين إلى موقف ذي نطاق أوسع حول التيارات السياسية على مختلف انتماءاتها، إذ يقلق المواطنون الإماراتيون والسكان الأجانب على حد سواء من التعبير عن آراء لا تحظى بدعم الحكومة. ومن المفهوم أن شبكة واسعة من مخبري الشرطة تنشط في الدولة. وبالتالي، قد يؤدي التعبير عن الآراء السياسية في بعض الحالات الحساسة إلى التوقيف أو الاعتقال أو السجن.
ولا تكمن المسألة في توق معظم الإماراتيين على ما يبدو إلى الديمقراطية. فقد بلغت نسبة المقترعين 28% من الناخبين المختارين بدقة خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة للمجلس الاستشاري في عام 2011. وأفاد استطلاع أُجري بتفويض من الأمم المتحدة في عام 2013 أن الإمارات العربية المتحدة هي "أسعد" دولة عربية، فيما تحتل المرتبة الرابعة عشرة من حيث مؤشر السعادة عالمياً.
بل إن شباب المنطقة يفضلون نموذج الإمارات العربية المتحدة على غيره، فقد أفاد استطلاع أجري مؤخراً أن حوالي 40% من الشباب العربي اختاروا الإمارات العربية المتحدة كأكثر دولة يودون أن يعيشوا فيها من بين 20 دولة أخرى (احتلت الولايات المتحدة المرتبة الثانية بنسبة 25%)، وأكثر دولة يرغبون في أن تحذو دولتهم حذوها.
وتستطيع الإمارات العربية المتحدة أن تحظى بالتقدير الدولي المنشود الذي تتوق إليه على ما يبدو إذا اتبعت مقاربة أكثر تقدماً وانفتاحاً من مقاربة سجن المواطنين الذين يعبرون عن آرائهم.
وفي إطار تعزيز الشراكة مع الإمارات العربية المتحدة، لا بد لواشنطن أن تحاول إيجاد طريقة لتشجيع هذا المنحى على نحو أكثر فعالية.
فذلك يشكل العنصر المكمّل المناسب لتوسيع نطاق العمل المتعلق بمكافحة الإرهاب مع شريك ملتزم لا يحتاج إلى التوفيق بين أي تحالفات سياسية مع داعمي الجماعات الأكثر تطرفاً في سوريا والعراق وغيرها من البلدان.