اتهم السفير السوداني لدى الاتحاد الأوروبي، عبد الباقي كبير، دولاً أوروبية بالسماح عملياً بوصول أسلحة مصنّعة داخل الاتحاد إلى ميليشيا قوات الدعم السريع عبر أبوظبي داعياً بروكسل إلى وقف بيع السلاح الإمارات بشكل فوري.
ويعكس هذا الموقف السوداني المتشدد خشية الخرطوم من أن استمرار تدفق الأسلحة يساهم في إطالة أمد الحرب الأهلية التي دخلت عامها الثاني، ويزيد من حجم الفظائع المرتكبة بحق المدنيين.
وقال كبير، في تصريحات أدلى بها لصحيفة بوليتيكو، ونشرتها اليوم الإثنين، إن الحكومة السودانية "ترى بعين القلق" أن الذخائر والمعدات التي تُنتج في دول أوروبية وتباع للإمارات تجد طريقها إلى ساحات القتال في السودان، مؤكداً أن هذه العملية تُعد خرقاً واضحاً لالتزامات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بمنع إعادة تصدير الأسلحة إلى مناطق النزاع.
وأضاف: "يجب على الاتحاد الأوروبي أن يوازن بين قيمه الأخلاقية ومصالحه التجارية"، مشدداً على أن الخرطوم تتطلع إلى موقف أوروبي أكثر صرامة تجاه أي دولة يشتبه في أنها تعيد تصدير السلاح إلى أطراف الصراع.
وتأتي هذه التصريحات في أعقاب سلسلة من التقارير والتحقيقات الدولية التي أثارت تساؤلات حول مسار الأسلحة الأوروبية في حرب السودان. ففي أبريل الماضي، كشف تحقيق شامل لقناة فرانس 24 أن ذخائر بلغارية الصنع وصلت إلى أيدي مقاتلي قوات الدعم السريع، رغم حظر الأسلحة الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على السودان منذ ثلاثة عقود. وقد أكدت بلغاريا أنها صدّرت قذائف هاون إلى الإمارات عام 2019، لكنها نفت منح أي إذن لإعادة تصديرها إلى السودان.
كما اعترفت الحكومة البريطانية مؤخراً باكتشاف معدات عسكرية بريطانية الصنع داخل الأراضي السودانية، فيما وثّقت منظمة العفو الدولية حالات استخدم فيها مقاتلو قوات الدعم السريع مركبات مدرعة إماراتية مزودة بأنظمة عسكرية فرنسية. وردّت شركة "لاكروا" الفرنسية بأنها التزمت بتراخيص التصدير وبشهادات عدم إعادة التصدير، ما أثار مزيداً من الأسئلة حول كيفية انتقال هذه المعدات إلى الميدان السوداني.
من جانبها، نفت الإمارات على لسان مسؤول حكومي تحدّث إلى بوليتيكو "بشكل قاطع" تقديم أي دعم لأي من طرفي الحرب في السودان، مؤكدة أنها تطبّق نظاماً رقابياً صارماً على صادراتها العسكرية. وقال المسؤول إنه "لا دليل قاطع على تورط الإمارات في تسليح قوات الدعم السريع"، مضيفاً أن بلاده "تدين الفظائع التي ارتكبها الطرفان".
لكن السفير السوداني يرى أن الوقائع على الأرض تناقض هذه التأكيدات. واعتبر أن الانتهاكات التي نُسبت لقوات الدعم السريع – من مجازر عرقية وعمليات تهجير وعنف جنسي – "تشكل نمطاً ممنهجاً من الاستهداف المتعمد"، على حد قوله. وأضاف أن استمرار تدفق السلاح إلى هذه القوات "يساهم في تفكيك السودان وتمزيق نسيجه الاجتماعي".
وفي الوقت ذاته، لم يُخف كبير أن القوات المسلحة السودانية ارتكبت أخطاء أدت إلى مقتل مدنيين، لكنه وصفها بأنها "حوادث عارضة وليست سياسة ممنهجة"، مؤكداً أنها لا تقارن بما وصفه بـ"الجرائم الواسعة" التي تنفذها قوات الدعم السريع.
وتتزامن هذه التطورات مع تحركات دبلوماسية أوروبية في المنطقة، إذ زار رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا أبوظبي في أكتوبر، واصفاً الإمارات بأنها "شريك موثوق". كما تخطط مفوضة شؤون المتوسط لزيارة الخليج الشهر المقبل، وهو ما يراه كبير فرصة لبروكسل للضغط على أبوظبي لوقف تدفق الأسلحة.
ودعا السفير السوداني الاتحاد الأوروبي إلى "رفع العقوبات المفروضة على القوات المسلحة السودانية" لأنها – من وجهة نظره – أعاقت الاقتصاد وزادت من معاناة المدنيين، مشيراً إلى أن تعاوناً أوسع مع بروكسل قد ينعكس إيجاباً على الوضع الإنساني.
ويأتي هذا الجدل في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة؛ إذ تؤكد الأمم المتحدة أن عشرات الآلاف قُتلوا منذ 2023، وأن أكثر من 25 مليون شخص يواجهون مستويات كارثية من الجوع ونقص الخدمات الأساسية، ما يجعل مسار السلاح ودوره في تأجيج الحرب قضية دولية تتجاوز حدود السودان.