كلما كانت الأحداث السياسية معقدة ومتسارعة وعصية على الفهم، لجأ المتابعون إلى نظريات المؤامرة وإلى تفاسير الغيبيات في علوم الأديان المختلفة، يبدو ذلك الأمر أشبه بالقاعدة الثابتة التي تتكرر دوما مع تعاظم الأحداث، ومع تكرار الأمر حتى بات الأمر يبدو أشبه بأنه «غريزة» إنسانية أصيلة، ويبدو أن الشرق الأوسط موعود مع ذلك بشكل استثنائي، وخصوصا مع توالي الأحداث بشكل درامي، وبشكل محير يعجز عن تفسيره الأغلبية العظمى إذا لم نقل الجميع.
نظريات المؤامرة واللجوء إلى تفسير الغيبيات لقراءة ومعرفة ما يحصل على الساحات السياسية، ليست مسألة جديدة أبدا، وحتما هي أيضا ليست مسألة عربية حصرية. فالمجتمع الغربي لا يزال حتى الآن (وبجدية كبيرة) يبحث عبر كتب وندوات ومحاضرات وأفلام ومواقع إلكترونية، عن صعود الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر، ومن كان «يقف خلفه ويدعمه»، حتى وصل إلى ما وصل إليه، وكذلك الأمر بالنسبة للحادثة التي لا تزال تأسر مخيلة الغرب عموما والأميركيين منهم تحديدا، والمقصود هنا هو حادثة اغتيال الرئيس الأميركي الراحل جون كيندي، وطبعا هناك أيضا كم مهول من حروب النفط وسقوط الاتحاد السوفياتي من «خلال» زعيمه ميخائيل غورباتشوف، وكذلك ما حصل في الفاتيكان من وفاة غامضة للبابا ذات يوم، والعلاقات المصرفية المريبة له، هذه وغيرها من الأحداث لا تزال تلقى المتابعة والاهتمام غير العادي.
وهناك العشرات من الروايات التي تتحول إلى كتب أكثر مبيعا بسبب إقدامها على التطرق إلى هذه النوعية من الأطروحات إلى درجة أن يتعلق القارئ بهذا الطرح، ويبدأ في تكوين فكرة أن الطرح ليس روائيا، ولكن إسقاط حقيقي على الواقع مثلما حصل مع الرواية الذائعة الصيت والشهيرة للكاتب الأميركي دان براون التي تحولت إلى عمل سينمائي مشهور «شفرة دافنشي»، وما تحققه فكرة الانغماس في توضيح كل شيء لصالح نظرية المؤامرة أو العلوم الغيبية، هو أن ينسحب كل من يتبناها من العمل السياسي والإيمان بفكرة إصلاح المجتمعات، والبناء والنقد السليم، لأنه سيكون وجد «الإجابة» لكل ما يدور في ذهنه، ويعاني بسببه عن طريق تسليم «القصة» برمتها لصالح نظرية المؤامرة، التي بات من يروج لها يقول إن النظرية لم تعد نظرية اليوم، بل هي واقع ملموس على أكثر من صعيد.
في المكتبات العربية وعلى المواقع الإلكترونية «المتخصصة» في العالم العربي، هناك كم متزايد من «الخبراء» و«المتخصصين» في نظرية المؤامرة وحكومة العالم السرية، والمنظمات السرية، وعلامات الساعة، ونهاية الزمان (وهذه المجموعات لها مثيلاتها تماما في العالم الغربي بالمناسبة) ويفسرون الأحداث الحاصلة حاليا من مفهوم طائفي وعقائدي لا يخلو أبدا من الأساطير والخزعبلات، ويدعمون حججهم وآراءهم بقصص وأقوال تبدو أقرب إلى جلسات «الكيف» منها إلى البحث العلمي والشرعي الجاد والمحترم، ويعطى هؤلاء مساحات من الطرح الإعلامي ومساحات من الحضور، ويسمح لهم بالتواصل مع شرائح عريضة من الجماهير لإبداء «وجهة نظرهم» وإعطاء «رأيهم» في الأحداث الحاصلة، وما يحدث بها، ويجزمون وهم يحللون أننا شارفنا على نهاية الزمان، وأن العلامات «تمت».
وبالمناسبة هذه النوعية من الأقوال جرى تسجيلها تاريخيا من قبل في حقب مختلفة أمام المغول والتتار، وسقوط الخلافات بأنواعها المختلفة، وكان دوما ما يكون التفسير لتلك الأحداث مؤكدا «إننا في المراحل النهائية من الزمان، وإن المخلص مقبل لإعادة الحق وإقامة العدل»، وهذا التفسير يعتقد به كافة أتباع الأديان السماوية مع الاختلاف على هوية هذا المخلص.
يبدو أن المستفيد دوما من إطلاق هذا الكم من التعليقات والتفسيرات والنظريات لما يحصل اليوم، هو الجهة المتهمة نفسها بأنها وراء ما يحصل في العالم، فهي بصورة غير مباشرة تكرس بهذا الطرح «سيطرتها» على العالم، حتى وإن كان عن طريق المؤامرة!