وفقا لتقارير حقوقية يعتقد أن إجمالي عدد المعتقلين السياسيين في دول الخليج العربي تجاوز الثلاثين ألفا موزعين على كل من السعودية ٣٠ ألفا وعمان ٤٥٠ والبحرين ٢٥٠ والإمارات ٢٠٥ وعشرات الاعتقالات في كل من الكويت وقطر.
يحق لنا نتساءل هنا ماهي المبررات التي تجعل حكومة الكويت تعتقل المناضل مسلم البراك ،وبالمثل باقي حكومات الخليج؟ لماذا تتعرض لمواطنيها السلميين ؟ومالذي تستند إليه تلك الاعتقالات، وهل هناك قاسم مشترك بين قضايا الإرهاب والأمن القومي وحرية التعبير؟! ذلك الذي استدعي أيضا عمليات تعذيب وتضييق على الحريات وكتم الأفواه.
ضاقت حكومات الخليج بمطالبات مواطنيها عقب ثورات الربيع العربي الأمر الذي سوغ لها أن تتجاوز معايير حقوق الإنسان ولا تصغي لقوانينها وتقاليد وأعراف شعوبها.
فالسعوديه صاحبة أكبر رصيد من الاعتقالات والتي طالت آلافا من المواطنين شمالا وجنوبا شرقا وغربا ، فكانت التّهم فتح حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي أوالمشاركه في مظاهرات أو اعتصامات سلمية للتعبير عن الشعور بالغبن والضيم ،أو الدفاع عن نساء ورجال ومراهقين تم الزجّ بهم في المعتقلات دون محاكمة ،فحدث ذلك قديما منذ معتصمي بريدة عام ٢٠١١ ثم لأعضاء حزب الأمه السعودي وما تعرض له الناشط الحقوقي ورجل الاعمال محمد البجادي والذي تم اقتحام مكتبه الخاص ثم مطاردته بسيارت الشغب حتى تم القاء القبض عليه، وأمثالهم كل من عبدالعزيز السنيدي والناشط ماجدالأسمري،الأمر الذي ولدّ مزيدا من الحراك الشعبي عبر شبكات التواصل الاجتماعي للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين ولكن حتى حينه لم تلقى تلك المطالبات آذانا صاغية.
صحيح أن معتقلي الإمارات لم يتجاوزوا ٢٠٥ معتقلا لكنها اشتهرت لدى ثوار العرب بأنها رأس حربة الثورة المضادة والعدو اللدود لقضايا الحريات، وارتكبت الإمارات انتهاكات واسعة في سياق قضية التنظيم السري وقضية ال ٩٤ مواطن الذين حكم عليهم مابين الثلاث سنوات و١٥ سنة بتهم واهية لا تستند على شواهد وحقائق، ذلك لأن بعضا من المعتقلين رفعوا عريضة للرئيس يطالبون عبرها بتعديلات دستوريه تمهّد لانتخابات تشريعيه حرة، الأمر الذي برر في نظر الحكومة تدشين حملة اعتقالات مفتوحة شملت مواطنين وعرب وأجانب منهم الشيخ سلطان كايد القاسمي والدكتور محمد الركن والدكتور هادف العويس والتربوي الدكتور عيسى السويدي والدكتور علي الحمادي والشيخ محمد عبدالرزاق وغيرهم تخللتها انتهاكات وظروف احتجاز تخالف مبادئ العدالة والكرامة وحقوق الإنسان.
ما ينبغي أن نؤكده هنا بأن معتقلي عمان لم يأخذوا حقهم من الاهتمام الحقوقي، فقد أشار المرصد العماني لحقوق الانسان في تقريره السنوي لعام ٢٠١٤ إلى عدد من الانتهاكات بحق المعارضين السياسين والحقوقيين شملت عشرات المعتقلين الحقوقيين والمدونين والكتاب بتهمة التعبير عن الرأي والمشاركه في تظاهرات تطالب بالاصلاحات فكان منهم المدون طالب السعيدي ومعاوية الرواحي المعتقل في الامارات بالتنسيق مع جهاز الأمن الداخلي العماني، وعبدالله المعمري بعدما تم اختطافه من أحد شوارع مدينة صحار، فوضع في سجن سري قبل أن يتم اطلاق سراحه، وسعيد الخروصي، وماجد البلوشي و عبدالله الكندي، وما تعرض له عضو مجلس الشورى الدكتور طالب المعمري من تحقيقات واعتقال.
في البحرين وبصرف النظر عمن يدعم المظاهرات فقد رصدت منظمات حقوقية انتهاكات بسجن “جو”، حيث أعرب مركز الخليج لحقوق الإنسان عن قلقه الشديد إزاء المضايقات الأمنيّة والقضائيّة بحقّ المدافعين عن حقوق الإنسان، مطالبًا السلطات بإطلاق سراح نبيل رجب وإسقاط التهم عنه بعد اعتقاله بسبب قيامه بالتغريد حول الانتهاكات التي تجري بحق المعارضين.
وفي الكويت بعد صمود محمود سجلت أخيرا انتهاكات بحق حقوقيين ومعارضين، حيث رصدت انتهاكات وتحقيقات وسحب جنسيات واعتقالات بحق معارضين كويتيين بتهم الاساءة إلى "الذات" الاميرية وحكومات خليجية أو المشاركة في مظاهرات شعبية، وصدرت بحقهم أحكام بالسجن، شملت كل من مسلم البراك ومحمد خالد العجمي وعبد العزيز جارالله المطيري وغيرهم.
الحائر والرزين والجو سجون مشهورة في الخليج أنفقت عليها الحكومات الملايين لتعبر بها عن نوازعها الاستبدادية التي تمتهن إسلوب العنف ولا تصغي لحكمة الرأي الآخر، فأضحت تلك السجون مأوى كل معارض حر يسعى للنهوض ببلده عبر المشاركة والمحاسبة الشعبية.
ما يثير المرء أنه بالرغم من أن سواد المعارضة الخليجية لا تسعى إلى تغيير أنظمتها، وإنما تطالب بجزء من حقوقها الدستورية والسياسية والقانونية بما يحصن الوطن من الارتجالية والتخبط والارتهان للاستعمار الأجنبي إلا أنها واجهت سلوك غير سوي من حكوماتها، الأمر الذي يعزز من أن الغاية من الاعتقالات ليس محاربة الإرهاب وإنما خشية تلك الأنظمة من فقد صلاحيات ومكاسب مطلقة لا يمكن أن تتحقق في ظل المشاركة الشعبية الحرة.
حينما تسأل بعض حكومات الخليج عن دواعي تلك الاعتقالات والانتهاكات، ترد بأنها تسعى لحماية شعوبها من الفتن والانجراف نحو ماحصل في دول عربية أخرى، وتغفل أو تتغافل تلك الحكومات بأنها هي من أيقظت تلك الفتن وأرهبت وساهمت في انحراف ثورات الربيع.