إيران تعيش هذه الأيام هستيريا قوة عاصفة الحزم وإعادة الأمل العربية التي حددت ميزان معادلة القوة السياسية والعسكرية في المنطقة العربية، وهي تحاول وفق هذه الهستيريا ووفق مفهوم «التقية»، الذي تجيده النخبة السياسية الإيرانية من خلال العيش على الوهم وأعني بذلك إيهام العالم بأنها هي القوة الإقليمية الأقوى في المنطقة، وأن ميزان القوى يتحرك لصالحها وأنها حسب وصف هاشمي رفسنجاني، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، في إيران: «ترسي الأمن في المنطقة، وقادرة على القيام بدور مهم». ومن حقها وفق هذا المنظور، وهذه الرؤية الكاذبة، أن تعبث بأمن واستقرار المنطقة، وأن تتدخل في شؤون الدول العربية، بل وأن تهدد جيرانها بالتدخل العسكري، وهذا ما قاله السفير الإيراني الأسبق لدى الأمم المتحدة علي خرم: «إن التوترات الأخيرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية يمكن أن تصل إلى مستوى المواجهة العسكرية». ويصرح بعض قادتها بكل وضوح بأن دول المنطقة هي جزء لا يتجزأ من ثوابتها السياسية والأمنية والاستراتيجية وآخر تلك التصريحات ما قاله مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان: «أمن اليمن بمثابة أمن الجمهورية الإيرانية والمنطقة، ولن تسمح للآخرين العبث بالأمن المشترك».
وهي تحاول وفق هذا المنظور وهذه الرؤية الاستعمارية أن تقترب من الدول الكبرى والقوى الخارجية وقاعدتها في المنطقة إسرائيل للحصول على الدعم اللازم لمثل هذه التوجهات، وأن تبين لتلك القوى أن ما تقوم به عن طريق أذرعها السياسية وخلاياها، التي دعمتها بالمال والسلاح في داخل الدول العربية من عبث وتخريب وتفكيك للنسيج الاجتماعي الذي يربط الأمة وتحويل الوحدة في المجتمع إلى حالة من الفوضى والطائفية والحروب الأهلية المستمرة، والتي كلفت الدول العربية الكثير من المال والدمار الهائل وموت الآلاف من البشر وتهجير ونزوح الملايين عن أوطانهم، تريد أن تبين أن ذلك هو امتداد لما تريد فعله تلك القوى الخارجية في المنطقة. وأنها قادرة على ممارسة نفس الدور السياسي البغيض الذي تتبعه الصهيونية في المنطقة سواء كان ذلك على مستوى السلوك السياسي أو طريقة احتلال الأرض أو التدخل في شؤون الدول العربية وخلق حالة من التخريب والفوضى وصولاً إلى تفكيك المجتمع من الداخل.
وبعض الدراسات التي أجريت في هذا المجال وجدت أن هناك تقارباً شديداً بين الممارسات الإسرائيلية والممارسات الإيرانية في المنطقة العربية، وأن هناك شبكة من الروابط السياسية والأمنية والاقتصادية التي تربط الطرفين، والزيارات بينهما ما زالت مستمرة وآخرها ما كشفت عنه صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية منذ أيام حول زيارة الصحافية الإسرائيلية البارزة «أورلي أزولاي»، التي مكثت في إيران عدة أيام وأعدت تقارير عمّا يجري فيها اليوم. ولأن الصهيونية قد وجدت منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضي في الدولة الفارسية الصفوية تشابهاً في الممارسات والسلوك والأهداف وميداناً خصباً لنفوذها وتفعيل مخططاتها التي تستهدف المنطقة العربية، والتي تمثل أمراً استراتيجياً بالغ الأهمية للطرفين، فقد بنت إسرائيل مخططاتها الكاملة على هذا الأساس، وجعلت إيران محطة لتصدير الفوضى الخلاقة في المنطقة العربية، وأيضاً نقطة ارتكاز حيوية لمراقبة الدول العربية والتجسس عليها. وإيران التي يمتلئ خطابها بشعارات كاذبة حول مسألة كراهيتها لإسرائيل ولأميركا -التي تسميها «الشيطان الأكبر»- تحولت لديها تلك الادعاءات من كثرة تكرارها إلى ما يشبه الأفيون تخدع بها شعبها والشيعة في العالم، حيث إنها انتقلت حسب الدراسات والتحليلات التي أجريت في هذا المجال بقوة لتقترب من إسرائيل والصهيونية في جميع تفاصيلها وممارساتها، وأهمها استهداف الدول العربية وإضعافها للهيمنة عليها. والكاتب الإسرائيلي يوسي ميلمان كان واضحاً وسعيداً وصريحاً عندما قال بصدق معبراً عن مثل هذه الصور في مقاله «العالم في تقديرات نتنياهو»: إن تحليل واقع المحيط الإقليمي الدولي الذي تعمل فيه إسرائيل يقدم لنا صورة استخبارية حول أربع دول عربية تمر بعملية تفكك: العراق وسوريا وليبيا واليمن، والأنظمة المركزية فيها غير قادرة على فرض سلطتها وسيادتها على جميع مناطق الدولة. وفقدت جيوشها الكثير من قدرتها وقوتها. والجيش الأكبر الموجود أمام إسرائيل هو الجيش المصري ولكنه منشغل مع أجهزة الأمن المصرية بمحاربة واجتثاث الإرهاب، وهو الهدف الذي تحدث عنه العديد من النخبة السياسية الإيرانية، وكأنه يمثل لديهم حالة من الانتصار على العرب.