أحدث الأخبار
  • 08:14 . قانون اتحادي بإنشاء هيئة إعلامية جديدة تحل محل ثلاث مؤسسات بينها "مجلس الإمارات للإعلام"... المزيد
  • 12:50 . "قيصر" عن إلغاء العقوبات الأمريكية: سيُحدث تحوّلا ملموسا بوضع سوريا... المزيد
  • 12:49 . الجيش الأمريكي: مقتل أربعة أشخاص في ضربة عسكرية لقارب تهريب... المزيد
  • 12:47 . أمطار ورياح قوية حتى الغد… "الأرصاد" يحذّر من الغبار وتدني الرؤية ويدعو للحذر على الطرق... المزيد
  • 11:53 . "الموارد البشرية" تدعو إلى توخي الحيطة في مواقع العمل بسبب الأحوال الجوية... المزيد
  • 11:52 . 31 ديسمبر تاريخ رسمي لاحتساب القبول بـرياض الأطفال والصف الأول... المزيد
  • 11:50 . حزب الإصلاح اليمني: الإمارات لديها تحسّس من “الإسلام السياسي” ولا علاقة لنا بالإخوان... المزيد
  • 11:46 . عبدالله بن زايد وروبيو يبحثان استقرار اليمن.. ما دلالات الاتصال في هذا التوقيت؟... المزيد
  • 11:38 . موقع عبري: أبوظبي تقف وراء أكبر صفقة في تاريخ “إلبيت” الإسرائيلية بقيمة 2.3 مليار دولار... المزيد
  • 06:03 . بين التنظيم القانوني والاعتراض المجتمعي.. جدل في الإمارات حول القمار... المزيد
  • 01:22 . "رويترز": لقاء مرتقب بين قائد الجيش الباكستاني وترامب بشأن غزة... المزيد
  • 01:06 . فوز البروفيسور ماجد شرقي بجائزة "نوابغ العرب" عن فئة العلوم الطبيعية... المزيد
  • 12:53 . اعتماد تعديل سن القبول برياض الأطفال والصف الأول بدءًا من العام الدراسي المقبل... المزيد
  • 12:05 . ترامب يوسّع حظر السفر إلى أمريكا ليشمل ست دول إضافية بينها فلسطين وسوريا... المزيد
  • 11:59 . السعودية تدشّن تعويم أول سفن مشروع "طويق" القتالية في الولايات المتحدة... المزيد
  • 11:53 . محكمة كويتية تحيل ملف وزير الدفاع الأسبق للخبراء... المزيد

الشعور بالمعنى

الكـاتب : ياسر حارب
تاريخ الخبر: 03-01-2015



في إحدى مراحل حياتي الوظيفية أصبتُ بالإحباط حيث كان مديري متخصصاً في سد كل أبواب الفرص والنمو في وجوه موظفيه. وجلستُ مرة أشكو لزميل يكبرني في السن وله تجربة طويلة في العمل، فسألني عن طقوس استيقاظي من النوم في الصباح! استغربتُ من سؤاله فقال لي إن لحظة استيقاظ الإنسان وقيامه من فراشه هي لحظة مصيرية..

فإذا فتحتَ عينيك ونهضت من فراشك وأنت في شوق للوصول إلى مقر عملك فاعلم بأنك في المكان الصحيح، ولكن، إذا فتحت عينيك وترددت قليلاً «هل أذهب للعمل أم أعتذر» فاعلم بأنك في المكان الخطأ. حينها عليك أن تذهب وتقدم استقالتك وتبحث عن وظيفة أخرى.

عدتُ إلى البيت وعزمتُ على أن أطبق كلامه. فتحتُ عيني في الصباح التالي فشعرتُ بثقل كبير يجثو على صدري؛ أدركتُ بأنني في المكان الخطأ. ذهبت إلى عملي حاملاً استقالتي، وضعتها على طاولة مديري وانصرفت. اتصل بي محاولاً ثنيي عنها لكنني كنتُ مُصراً. مضى شهر وإذا بي في البيت «لا شغلة ولا مشغلة».

كان شعوري حينها في مكان رمادي بين الفرح والخوف، فَرِحٌ بأنني تخلصتُ من همّ كان يؤرقني كل يوم، وخائف من ألا أجد وظيفة أعيل بها أسرتي. بعد أسبوعين وجدتُ وظيفة قريبة إلى قلبي، وكانت تلك الوظيفة مدخلي إلى عالم آخر، اكتشفتُ أنه يقبع في داخلي وكل ما كان عليّ فعله أن أقويّ قلبي وأرفع عنه الغطاء حتى يدخل النور ويَقْشَع الظلام الذي كان يخنقني في الداخل.

يقول المُدرّب «دان بِنك» إن هناك ثلاثة أنواع من التحفيز، النوع الأول أصيل في الإنسان، وُلد معه منذ بدء الخليقة، وهو التحفيز النابع من الحاجات الأساسية لبقاء النوع الإنساني، كالأكل والمأوى والتكاثر وغيرها. أما النوع الثاني فهو ما اصْطُلِح عليه بمفهوم «العصا والجزرة» أو الثواب والعقاب.

لكن مشكلة هذا النوع أنه قد يؤدي إلى مشكلات مع العملاء، فعلى سبيل المثال، وَعَد صاحب مرآب «كراج» لتصليح السيارات فنيّيه بأن يخصص مكافأة مالية كل عام لمن يصلح أعطالاً أكثر، فأخذ الفنيّون يصلحون أعطالاً في السيارات لم يتفقوا عليها مع أصحابها، فارتفعت أسعار الإصلاحات، وبدأ العملاء يشعرون بأن المرآب يستغلهم بطريقة سيئة؛ فكثرت المشكلات وانفضّ الزبائن.

وفي العام 1949 قام بروفسور علم النفس (هاري هارلو) بتجربة على قردة الريسوسي إذ أعطاهم لعبة بها لغز ونظر ما يفعلون. بدأ القردة بِحلّ اللغز رغم أنه لم يعطهم أي مكافأة، ولما أعاد التجربة، اكتشف أن السبب هو أن القردة وجدت في العمل الذي تقوم به دافعاً لشيء ما في داخلها، الفضول ربما أو الشغف باللعب.

وهذا هو النوع الثالث من أنواع التحفيز، الرغبة الداخلية النابعة من إرادة دفينة لا علاقة لها بأي ثواب أو عقاب، تماماً مثلما يفعل الناس الذين يكتبون في ويكيبيديا حتى صارت أكبر موسوعة كونية، واستطاعت أن تتغلب على كل الموسوعات الأخرى التي كان من أشهرها إنكارتا المملوكة لمايكروسوفت إذ استثمرت فيها ملايين الدولارات لكنها فشلت، رغم أن العاملين فيها كان يحصلون على أجر مالي.

والسؤال هو: ما الذي يدفع إنساناً للبحث وتدوين معلومات في ويكيبيديا أو لنشر فيديوهات في يوتيوب يشرح فيها قواعد التصوير مثلاً، دون مقابل مادي؟ إنه شعور المرء بأنه يحقق ذاته من خلال ذلك العمل، أو الشعور بالمعنى الذي يُعطيه ذلك العمل ليومه وحياته.

أُجريت تجربة على مجموعتين من الأطفال، الأولى أُعطيت أوراقاً بيضاء وألواناً وطُلب من الأطفال أن يرسموا ما يشاؤون دون أن تُحدد لهم مكافأة. وأُعطيت الثانية الأوراق والألوان نفسها لكنهم وُعدوا بمكافأة مالية. بعد أن انتهوا، طُلب من المجموعتين إعادة الرسم والتلوين ولكن قيل لأطفال المجموعة الثانية إنهم لن يحصلوا على مكافأة مالية هذه المرة، فرفضوا الرسم! والسبب هو انتزاع الشعور بالمعنى من داخلهم، وإحلال المقابل المادي مكانه.

في أول يوم من كل سنة أكتب جملة تُحدد هوية العام، كعام الصحة، أو عام الكتابة، أو الإنجاز الوظيفي وهكذا. فسألني أحدهم كيف يستطيع تحديد هوية عامه؟ فقلتُ له: ابحث عميقاً في نفسك، هناك في الداخل، عن الأشياء التي تدفعك للقفز من السرير صباحاً. عن الأشياء التي تفعلها دون مقابل، ودون الحاجة إلى تقدير الآخرين أو اعترافهم، تفعلها فقط لأنها تجعلك سعيداً ومستمتعاً بالحياة.

عندما كنتُ أعمل في الحكومة شاركتُ في الإعداد لكثير من المشاريع الحيوية في دبي، وبعد إعلان خبر إطلاق المشروع في أخبار المساء على التلفاز كان أحد زملائي يتصل بي سعيداً ويقول: «هذا عملنا». فأضحك وأقول له نعم هذا جهدنا، فيقول: «ولكن الناس لا تعرف ذلك!». فأقول له: يكفي أن نشعر أنا وأنت بأننا نقوم بشيء يعطي لحياتنا معنى.