أكدت منظمة حقوقية أن السلطات الإماراتية تواصل مسلسل القمع والتنكيل ضد معتقلي الرأي والمعارضين السياسيين باستخدام القضاء وقوانين مكافحة الإرهاب كأداتين في حربها على حقوق الإنسان.
جاء ذلك في بيان لمنظمة "الكرامة" الحقوقية تعليقاً على قيام السلطات في أبوظبي يوم الخميس الماضي بإصدار أحكام بالسجن المؤبد على 24 من معتقلي الرأي بتهمة التورط في ما وصفته بـ "قضية تنظيم العدالة والكرامة الإرهابي" بعد نقض جزئي لحكم سابق، وفق وكالة أنباء الإمارات (وام).
وأوضح مدير الكرامة المحامي رشيد مصلي أن هذه الخطوة تبدو محاولة للهروب من الإدانة الموجهة للحكومة الإماراتية بـ"انتهاكها الفاضح والمتكرر لمبدأ حظر محاكمة الأشخاص مرتين بنفس التهم بعد صدور حكم نهائي بحقهم، ناهيك عن إكمالهم المحكومية بموجب محاكمة تفتقر للعدالة".
وكانت أبوظبي قد أصدرت بتأريخ 10 يوليو 2024 حكماً بسجن 53 معتقلًا سياسيًا من ضحايا محاكمات مزدوجة، كانت قد صدرت بشأن العديد منهم قرارات متكررة عن الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي في الأمم المتحدة تدين السلطات بشأنهم وتطالب بإطلاق حريتهم.
وقد خاطبت الكرامة حينها آليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان بشأن هذه التطورات، معتبرةً إعادة المحاكمة وفرض عقوبات جائرة بحق الضحايا هروبًا من التزامات الدولة الطرف بشأن التعاون بحسن نية مع آليات الأمم المتحدة وانتهاكًا لالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وكانت محكمة أبوظبي الاتحادية الاستئنافية (دائرة أمن الدولة) قضت بإدانة 53 متهمًا من معتقلي الرأي ونشطاء سياسيين ومحامين وأساتذة تربويين وست شركات وجهت لهم تهمة إنشاء وإدارة تنظيم إرهابي تحت اسم "لجنة العدالة والكرامة"، وتنظيم "دعوة الإصلاح" كلاهما تعدهما السلطات جزءًا من جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة في البلاد.
وفرضت المحكمة عقوبة السجن المؤبد بحق ثلاثة وأربعين متهماً، وقررت معاقبة خمسة متهمين بالسجن لمدة خمس عشرة سنة لتعاونهم مع تنظيم "دعوة الإصلاح" الذي تصفه السلطات بأنه "إرهابي" ومناصرته في مقالات وتغريدات نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي مع علمهم بأغراضه المناهضة للدولة، وكذا معاقبة خمسة متهمين آخرين بالسجن لمدة عشر سنوات وتغريم كل منهم عشرة ملايين درهم عن ما أسمته "جرائم غسل الأموال المتحصلة من جرائم إنشاء وتأسيس تنظيم إرهابي وتمويله".
في المقابل، قضت المحكمة بانقضاء الدعوى الجزائية لـ24 شخصا، بتهم "التعاون وإمداد تنظيم دعوة الإصلاح الإرهابي بالمال"، وتمت تبرئة شخص واحد من التهم الموجهة إليه، لكنها عادت مؤخراً وقضت بسجنهم بالمؤبد.
محاكمات مزدوجة
وكانت السلطات في أبوظبي قد عاودت في ديسمبر 2023 محاكمة عشرات المعتقلين السياسيين الذين أنهوا محكومياتهم، حيث أحال النائب العام الإماراتي 84 معتقلًا سياسيًا ومؤسسة إلى محكمة أبوظبي الاتحادية، باعتبار أن معظمهم أعضاء في جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة في الإمارات، بتهمة "إنشاء تنظيم سري آخر بغرض ارتكاب أعمال العنف والإرهاب على أراضي الدولة".
وزعم النائب العام في بيان نشره الإعلام الرسمي بأن "المتهمين كانوا قد أخفوا هذه الجريمة (المزعومة) وأدلتها قبل القبض عليهم ومحاكمتهم في القضية رقم (17) لسنة 2013 – أمن دولة".
واعتبر المحامي رشيد مصلي مدير الكرامة هذه المحاكمة "مهزلة كبرى واستهتارًا بمفهوم العدالة"، مؤكدًا بأنها "انتهاك فاضح لمبدأ حظر محاكمة الأشخاص مرتين بنفس التهم بعد صدور حكم نهائي بحقهم، ناهيك عن إكمالهم المحكومية بموجب محاكمة تفتقر للعدالة".
وقال مصلي إن "السلطات الإماراتية بهذه الخطوة تمعن في انتهاك حقوق الضحايا وتمارس الإعدام البطيء بحقهم، كما تسعى للهروب من التزاماتها بموجب القانون الدولي لا سيما ما يتعلق بضرورة التعاون بحسن نية مع الإجراءات الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بخاصة الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي الذي أصدر قرارات عدة يؤكد الطابع التعسفي لحرمانهم من الحرية، ويطالب بإطلاق سراح الضحايا وجبر الضرر".
وأضاف أن سلطات أبوظبي لم تكتفِ بتجاهل الآراء الصادرة عن الفريق بموجب شكاوى قدمتها الكرامة ومنظمات أخرى حقوقية، بل عمدت إلى "تكريس حالة من العبثية، يبدو معها حكم القانون مهدورًا وبلا معنى، والقوة القسرية والوحشية للدولة هي السلوك السائد".
وترى الكرامة أن المحاكمات الجديدة والأحكام الجائرة الصادرة بموجبها تشكّل نوعًا من التعذيب النفسي للضحايا باعتبارهم أشخاصًا قضوا سنوات طويلة بانتظار الحرية واستئناف حياتهم، لكن السلطات قررت الإبقاء عليهم رهن الاحتجاز، وهو الأمر الذي يؤكد عدم احترام الإمارات للتوصيات الصادرة عن لجنة مناهضة التعذيب خلال المراجعة الأولية لدولة الإمارات، والتي ساهمت فيها الكرامة بتقرير موازٍ وحضرت جلسة إحاطة للمنظمات غير الحكومية عُقدت في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في جنيف تمهيداً للمراجعة التي جرت خلال الدورة 74 في الفترة ما بين 13 إلى 14 يوليو 2022.