أحدث الأخبار
  • 06:03 . بين التنظيم القانوني والاعتراض المجتمعي.. جدل في الإمارات حول القمار... المزيد
  • 01:22 . "رويترز": لقاء مرتقب بين قائد الجيش الباكستاني وترامب بشأن غزة... المزيد
  • 01:06 . فوز البروفيسور ماجد شرقي بجائزة "نوابغ العرب" عن فئة العلوم الطبيعية... المزيد
  • 12:53 . اعتماد تعديل سن القبول برياض الأطفال والصف الأول بدءًا من العام الدراسي المقبل... المزيد
  • 12:05 . ترامب يوسّع حظر السفر إلى أمريكا ليشمل ست دول إضافية بينها فلسطين وسوريا... المزيد
  • 11:59 . السعودية تدشّن تعويم أول سفن مشروع "طويق" القتالية في الولايات المتحدة... المزيد
  • 11:53 . محكمة كويتية تحيل ملف وزير الدفاع الأسبق للخبراء... المزيد
  • 12:45 . ميدل إيست آي: هل يمكن كبح "إسرائيل" والإمارات عن تأجيج الفوضى في المنطقة عام 2026؟... المزيد
  • 12:40 . أمطار غزيرة تغرق مستشفى الشفاء وآلافا من خيام النازحين في غزة... المزيد
  • 11:59 . طهران ترفض مطالب الإمارات بشأن الجزر المحتلة وتؤكد أنها تحت سيادتها... المزيد
  • 11:30 . ترامب: 59 دولة ترغب بالانضمام لقوة الاستقرار في غزة... المزيد
  • 11:29 . الإمارات تدين الهجوم على مقر للقوات الأممية بالسودان... المزيد
  • 01:04 . مرسوم أميري بإنشاء جامعة الفنون في الشارقة... المزيد
  • 12:14 . "الأبيض" يسقط أمام المغرب ويواجه السعودية على برونزية كأس العرب... المزيد
  • 09:21 . غرق مئات من خيام النازحين وسط تجدد الأمطار الغزيرة على غزة... المزيد
  • 07:15 . روسيا تهاجم سفينة مملوكة لشركة إماراتية في البحر الأسود بطائرة مسيرة... المزيد

الخروج من حالة اللايقين والإنكارية العربية

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 28-09-2017

بعد الدمار العمراني والبشري الهائل الذي أصاب أوروبا جراء الحربين العالميتين الأولى والثانية، دخلت المجتمعات الأوروبية في دوامتي اللايقين والإنكارية. فجأة ما عادت الثوابت الفكرية والسلوكية السابقة، منذ عهود النهضة والأنوار، قادرة على ملء حياة الإنسان الأوروبي بالهدوء والسلام الداخلي.
تمثلت قمة اللايقين والضياع والشعور باليأس والقنوط في الصعود المذهل لظاهرة الإنكارية، التي لا ترى وجود معنى أو قيمة لأي شيء في هذه الحياة، بما فيها الإيمان الديني والسلوكيات الأخلاقية والعلاقات والتنظيمات المدنية للمجتمعات. لقد أجمل الوضع قول أحدهم، بأنه عندما يفقد الناس ثقتهم في مثالياتهم فإنهم يهزمون قبل دخولهم المعركة.
ولذا ما كان مستغرباً ذلك الصعود المذهل، خصوصاً بين الشباب، لفلسفة الفرنسي جون بول سارتر الوجودية القائلة، بعدم وجود أي معنى للحياة، أو النجاح الكبير للكتابات. وروايات البير كامو الفرنسي الجزائري القائل، بأن الحياة ليست أكثر من عبث في عبث، أو الانتشار المكتسح لمسرح الكاتب المسرحي الإيرلندي صمويل بيكيت من مثل مسرحية «في انتظار جودو»، جودو الذي يعبر عن الأمل الذي يأتي ولا يأتي، أو كتابات كولن ويلسون البريطاني، وجماعة الثائرين من أمثاله الرافضة لفكرة الانتماء والداعين لحيوية الفرد المستقل القادر على شق طريقه في الحياة. وبالطبع لم يقف الأمر عند حدود الفلسفة والأدب، بل تعداه إلى حقول السينما وشتى فنون التعبير الأخرى.
مناسبة استرجاع ذاكرة تلك الحقبة، التي كانت مؤقتة وعابرة، هو التماثل مع تلك التجربة لما يجري في وطن العرب حالياً. فالدمار العمراني والبشري الذي طال العديد من الأقطار العربية الرئيسية، والانتكاسات التي أصابت محاولات الخروج من حياة الاستبداد والظلم التاريخية، قد بدأت تفعل مفعولها في الشباب العربي، وإدخاله في حالة الإنكارية واللايقين تجاه ثوابت الأمة الكبرى، تماماً كما فعلت الحربان العالميتان بالإنسان الأوروبي.
هناك شكوك وإنكار حول العديد من الثوابت الدينية، إن لم تكن كلها، وحالة إنكارية للثوابت العروبية القومية، مثل أهمية وضرورة الوحدة العربية في مواجهة الاستعمار والصهيونية، وهناك حالة مشاعر عبثية تجاه الخطر الأيديولوجي والسياسي والأمني الصهيوني في فلسطين المحتلة وفي خارجها، بل التجرؤ برفع أعلام كيانها، وهناك حالة إنهاك نفسية تجاه جدوى الفعل السياسي المنظم لمواجهة أعداء الخارج ومستبدي الداخل ومثيري الفتن التفتيتية الطائفية والقبلية والعنصرية.
يرافق ذلك الشعور اللايقيني اليائس العام صعود وانتشار لكتاب وفنانين وإعلاميين وفقهاء مذاهب ودجالي سياسة، يساهمون ليل نهار في نشر خطابات الإنكارية لكل الثوابت، وخطابات الاحتقار لكل منجزات التاريخ والنضالات التحررية الجماهيرية ولإمكانيات هذه الأمة في النهوض من حالة التخلف التي تعيشها.
في أوروبا ووجهت حالات الإنكارية الفوضية تلك بإعادة بناء المدن، وتفعيل ماكنة الاقتصاد، وتنظيم الحياة السياسية على أسس ديمقراطية، وبناء تدريجي لدولة الرفاهية الاجتماعية، وصعود لفكر متوازن معقول يصلح الثوابت الخاطئة، إن وجدت، ويؤكد الثوابت الصحيحة لإرجاع العافية للمجتمعات. لقد لعبت سلطات الدول ومؤسسات المجتمع المدني أدواراً مشهودة لتنفيذ كل ذلك، ورأينا على سبيل المثال، ذلك التفاهم العاقل في ما بين القوى الرأسمالية والنقابات العمالية للتخفيف من الاضطرابات الاجتماعية.
في بلاد العرب سنحتاج إلى أن نتعلم من ذلك الدرس الأوروبي، لنخرج من حالة اليباب والدمار التي تعيشها الأرض العربية، إلى حالة التوازن المطلوب لإعادة إعمار ما دمرته قوى الاستعمار والاستخبارات والصهيونية العالمية، وبعض الدول العربية والإقليمية وأدوات الجحيم الممنهج المتمثلة في جنون عنفي جهادي متخلف باسم دين الإسلام البريء من كل ذلك. لكن لنكن صادقين مع النفس، إذ لدينا عقبتان لم توجدا في المشهد الأوروبي. لدينا عقبة الأنظمة السياسية غير الديمقراطية، التي هي أيضاً تعيش حالة اللايقين والإنكار والعبثية السياسية والعجز البائس أمام تحديات المتكالبين على وطن العرب. لدينا أيضاً مجتمعاً مدنياً منهكاً ومليئاً بالعلل، جراء تهميشه التاريخي وقمعه الأمني المستمر عبر القرون. وهما عقبتان إن لم تحل معضلاتهما في القريب العاجل فإن حالة اللايقين والإنكارية التي أصابت أوروبا مؤقتاً، تلك الحالة ستصبح حالة مرضية دائمة عندنا قد تمتد عبر القرون المقبلة.
الأمة العربية تمر حالياً في حالة صعبة بالغة التعقيد، وعلى عقلاء الأمة أن يفعلوا شيئاً ويتقدموا الصفوف قبل فوات الأوان. هناك الكثير مما يستطيعون فعله، وأمامنا تجربة أوروبا على سبيل المثال، فلنتعلم من عبرها وحيويتها بإبداع عربي ذاتي.