برز اهتمام الإمارات بالجانب العسكري في الفترة الأخيرة لافتاً أكثر من ذي قبل من خلال صفقات السلاح المتسارعة وإقامة المعارض العسكرية وآخرها "آيدكس 2015"، وكأن السلطات في الدولة تعيش حالة حرب مع عدو لم تتضح معالمه بعد، أو تعيش مرحلة سباق تسلح في منطقة أغلب دولها مشغولة بمشاكلها الداخلية، غير أن المتفق عليه بين الجميع أن هذا السلاح لن يكون من أجل تحرير الجزر الإماراتية المحتلة.
فوفقاً لآخر الأرقام، أفاد رئيس اللجان العليا المنظمة لمعرض ومؤتمرات الدفاع الدولي "آيدكس 2015"، اللواء الركن عبيد الكتبي، عن صفقات عسكرية بقيمة 3,955 مليارات درهم في ثالث أيام المعرض جرى إبرامها مع عدد من الشركات الوطنية والدولية لصالح القوات المسلحة لدولة الإمارات.
وأعلن "الكعبي" بعد ذلك أن القوات المسلحة الإماراتية وقعت عقدا بقيمة 732 مليون درهم (200 مليون دولار) مع شركة "أجوستاوستلاند" الإيطالية لشراء 9 طائرات هليكوبتر من طراز إيه.دبليو 139، موضحاً أن 6 طائرات منها ستستخدم في عمليات البحث والإنقاذ وستستخدم الطائرات الثلاث الباقية في نقل الشخصيات المهمة.
ونقلت "روسيا اليوم" عن وزير الصناعة والتجارة الروسي "دينيس مانتوروف" مؤخراً قوله أن بلاده ستوقع بالإمارات اتفاقية تقوم بموجبها موسكو بتوريد مدفع "AY-220M" الآلي ذاتي الحركة عيار 57 ميلليمتراً.
كما أفاد مسؤول في شركة "لوكهيد" الأمريكية اليوم الخميس (26|2) أن الإمارات و3 دول خليجية هي قطر والكويت والبحرين مهتمة بشراء طائرة أف 35 أحدث مقاتلة متعددة المهام والأغراض في الترسانة الأميركية، وهذه الصفقات كلها خلال فترة وجيزة جداً وفي الفترة الأخيرة مع نهاية العام المنصرم وبداية العام الحالي 2015 وحتى اللحظة، فضلاً عمّا قبلها.
حضور عسكري على أكثر من جبهة:
وتأتي كل هذه الصفقات، في الوقت الذي تشارك فيه الدولة بفاعلية في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، في العراق وسوريا، وتعد بلدنا الدولة الأبرز في هذه الغارات، فقبل فترة نقلت وكالة الأنباء الكويتية عن مسؤول أمريكي قوله إن أبوظبي تعد الثانية في تنفيذ الضربات الجوية لمواقع تنظيم الدولة من حيث عدد الغارات بعد الولايات المتحدة.
وفي الـ 9 م شباط / فبراير الماضي قررت الإمارات إرسال سرب من الطائرات المقاتلة "إف 16" التابعة للقوات الجوية في الدولة للتمركز في الأردن، دعما للجيش الأردني في مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية"، وبدأت هذه الطائرات انطلاقاً من الأردن توجيه ضربات ضد أهداف تابعة لتنظيم الدولة في سوريا.
وكان أكبر حضور عسكري إماراتي خارجي مثير للجدل الذي أزاح كل الأقنعة، هو قصف ليبيا في أغسطس من العام الماضي، حيث فجرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية حينها مفاجأة مفادها أن الغارات الجوية التي استهدفت تجمعات لميليشيات إسلامية مسلحة في مناطق في محيط العاصمة طرابلس جرى تنفيذها بموجب اتفاق سري بين مصر والإمارات، حينها تبخرت مقولة حماية الأمن القومي الإماراتي كون ليبيا بلداً يبعد عننا آلاف الأميال، هذا التدخل قرأه خبراء حينها بأنه يكشف عن طموح إماراتي للعب دور أكبر من اللازم متجاهلاً التداعيات الكبيرة على الدولة واقتصادها سواء على المدى القريب أو المتوسط، في تدخلها العسكري الخارجي.
وتجري السلطات في الدولة خلال الأسابيع الأخيرة مباحثات مع دول عربية كالسودان ومصر لتشكيل قوات مشتركة لمحاربة "داعش" في ليبيا.. ومع مصر والأردن لتشكيل قوات مشتركة أو وحدات تدخل تسريع قدرت مصادر عربية حجمها بما يتراوح بين 20 و40 ألفا، وسيتم توفير تدريب عال لها، بحيث تتجاوز تدريباتها الأنماط التقليدية للتوافق مع طبيعة المعارك الميدانية المنتظر أن تقودها تلك القوة!
فالسلاح الإماراتي أصبح حاضراً في أكثر من جبهة مشتعلة في ليبيا والعراق وسوريا واليمن وأخيراً أوكرانيا، إلا أنه غائب عن تحرير جزرنا المحتلة.
صفقات السلاح الإماراتية والإصلاحات السياسية
في ظل ارتفاع الأصوات العالية في الدولة مطالبة بالإصلاحات السياسية، واحترام الحقوق والحريات، وعدم الزج بالمعارضين في السجون، تبرز صفقات السلاح بكثرة أمر يفهمه بعض المراقبين وكأن الدولة تعيش حالة حرب مع عدو وهمي، وتريد من خلال ذلك إيصال رسالة إلى المواطن الإماراتي المطالب بالإصلاح أن الدولة تعيش لحظة استثنائية ولا مجال للمطالبة بأي إصلاحات سياسية في الظرف الراهن كون تنظيم "داعش" الإرهابي فرع ليبيا الذي يبعد عنا آلاف الأميال يشكل خطراً على الأمن القومي الإماراتي!
كما أن الحكومة في الدولة على المستوى الداخلي تقمع أي معارضة والمحاكمات السياسية المعروفة لأعضاء في جمعية الإصلاح الإماراتية وتلفيق التهم الكيدية لهم بالتآمر لقلب نظام الحكم في البلاد، وحكمت على الكثير منهم بالسجن بعد محاكمات سياسية مثيرة للجدل شجبتها منظمات حقوق الإنسان؛ كل ذلك لسبب واحد هو تجرؤهم ومطالبتهم بإصلاحات سياسية.
ويرى مراقبون أن من يقرأ الواقع بعمق يجد أن الشارع الإماراتي الذي باتت منسوبة الوعي السياسي والحقوقي والقانوني لديه مرتفعة وبإمكانه التمييز بين الخطأ والصواب خاصة وهو يعيش عصر الإعلام الحر والسماوات المفتوحة الخارجة عن سيطرة الحكومات القمعية، بات ينظر بتوجس لكل صفقات التسليح هذه ولا يفهمها في ظل غياب بوادر أي إصلاح سياسي حقيقي يكفل له حقوقه ويصون حرياته، سوى أنها نوع من الاستعدادات القمعية لجهاز الأمن للمرحلة القادمة، وإن حاولت السلطات النفي إلا أن ممارساتها على الأرض تؤكد هذه القناعة وما #جريمة_اختطاف_ثلاث_إماراتيات (الشقيقات الثلاث) عنا ببعيد، إضافة إلى ما يتعرض له معتقلو الرأي من انتهاكات صارخة وثقتها تقارير المنظمات الحقوقية في أكثر من مرة.
وكل يوم وأصوات الشارع وسقف مطالبه ترتفع أكثر مطالبة السلطات بوقف العبث الأمني والوقوف في صف الإصلاحات السياسية وإعادة المرتزقة إلى بلدانهم العربية والأجنبية، وعدم عسكرة الحياة المدنية والعمل على بناء الدولة التي ينعم فيها الجميع بالحقوق والحريات وتكافؤ الفرص.
ولأن هذه المطالبات لم تجد أذاناً صاغية للاستماع عوضاً عن التنفيذ؛ فالمواطن الإماراتي عرف طريقة وبدأ يتحرك في أكثر من مكان وبدأ الجميع يسمع عن وقفات واعتصامات تنفذ عند سفارات الدولة وقنصلياتها في الخارج بعدما سدت في وجهه كل منافذ الإصلاح والتغيير في الداخل.