عندما يتعلق الأمر بإظهار "العزيمة" و "التصميم" في مكافحة الإرهاب ضد "داعش" والجماعات الأخرى، والتي تضم الإسلام الوسطي وفق اعتبارات السياسة الأمنية الإماراتية، فإن الإمارات لا تظهر زهدا في إشهار هذا الدور وخاصة إذا تعلق الأمر في عمل عسكري أو أمني. في قمة واشنطن لمكافحة الإرهاب التي عقدت في البيت الأبيض مؤخرا، أعلن أوباما عن إطلاق "برنامج دعاية" ينطلق من دولة الإمارات ضد "داعش". ومع ذلك، فقد التزمت وسائل الإعلام الإماراتية وحتى السياسيون الصمت إزاء هذا الإعلان. فما هو هذا البرنامج؟ ولماذا سكت المسؤولون الإماراتيون ووسائل إعلامهم؟
المشروع الأمريكي
أعلن أوباما أمام القمة الخميس (19|2)، عن برنامج جديد لمواجهة دعاية "داعش"، انطلاقا من الإمارات. وقال إن "واشنطن تشترك مع الإمارات لإنشاء مركز جديد للاتصالات الرقمية للعمل مع رجال الدين وقيادات المجتمع المدني لمواجهة بروباغندا الإرهاب". وناشد أوباما الدول المجتمعة في واشنطن المشاركة في "التصدي لأيديولوجيات الكراهية" على حد وصفه.
المشروع الإماراتي
يتقاطع برنامج أوباما المقترح مع التوجهات والأهداف الإماراتية تماما في محاربة "التطرف". ويكاد لا يمر يوما دون تأكيد دور الإمارات في محاربة التطرف.
مجلس "حكماء المسلمين" عقد اجتماعا في أبوظبي(14|2) أكد فيه شيخ الأزهر أحمد الطيب أن المجلس استراتيجية المجلس سوف"تقضي على البؤر الفكرية التي أضرت بالأمة"، كما يخطط المجلس لتقديم خطاب سلمي عالمي مفعم "بقيم التعارف الإسلامية المدهشة"، إضافة إلى تشكيل "فرق سلام" لزيارة المناطق الملتهبة "لتهدئتها".
وفي (19|2) قال باتريك كلاوسون مدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، حسب صحيفة "الاتحاد"، الإمارات ضربت مثالاً يحتذى به في محاربة التطرف قولاً وفعلاً، فهي عضو فاعل في التحالف الدولي". أما أوليفير جيتا مستشار الشؤون الأمنية والاستراتيجية فيقول، "إن سياسة الإمارات تتسم بالاعتدال، وهي جزء من التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، وأضاف الإمارات "شجاعة" مقارنة مع "الدول الغربية التي لا تزال خائفة جدا من محاربة الإرهاب".
قرقاش يتحدث أمام قمة واشنطن
تحدث وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش أمام قمة واشنطن حول مكافحة الإرهاب، طارحا التصور الإماراتي في هذا المجال. قرقاش ذكر بالاسم مجلس "حكماء المسلمين" و"منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" و"مركز هدايا لمكافحة التطرف العنيف"، وهي الأذرع الإعلامية والدينية والبحثية الإماراتية "لمكافحة التطرف". ومع ذلك، فإن قرقاش لم يتطرق أمام هذه القمة التي شارك فيها ستون دولة، وحظيت باهتمام وتغطية عالمية منقطعة النظير- لم يتطرق إلى برنامج أوباما الدعائي!
محاولة للفهم
الإعلام الإماراتي ومنذ يومين أخذ يخفض من "إعلام التعبئة الحربي"، ويظهر تواضع توقعاته في هذا المجال، خاصة بعدما اصطدم برفض المجتمع الدولي للتدخل العسكري في ليبيا. صحيفة البيان اليوم (21|2) أشارت إلى طبيعة الدور الذي ترغب أن تقوم به واشنطن وحلفائها. فقد نشرت تقريرا بعنوان، "الإدارة الأميركية تدفع نحو الحرب الفكرية ضد التنظيمات الإرهابية"، تظهر إحباطا من هذه التوجهات أكثر من رغبتها في توصيف الموقف الأمريكي، فتقول، "كل المعنيين يطالبون الإدارة الأميركية بأن تركز على الحلول العسكرية، في وقت تبدو واشنطن مقتنعة ومن تجارب سابقة أنّ العمل العسكري غير مجد في مواجهة فكر موبوء.. في مقابل غياب طرح أي أفكار تتجاوز هذا الحل". ويضيف التقرير نقلا عن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن قوله،" نحن بحاجة إلى إجابات تتجاوز البعد العسكري. إجابات تتجاوز استخدام القوة".
ويشرح بايدن حسب صحيفة "البيان"، "كلنا، يجب أن نتعامل مع هذا الموضوع من أساسياته". ما هي الأساسيات؟ إنّها الفكر المشوّه للدين ومحاولات بعض الجماعات خطف الدين عبر تفسيرات بعيدة عن روحه التي تقوم على التسامح والوسطية".
وتدعي البيان، البيت الأبيض تعرض لانتقادات شرسة لامتناعه عن توجيه المؤتمر (مؤتمر قمة واشنطن الذي أعلن فيه أوباما عن الشراكة مع الإمارات لمحاربة التطرف) في مسار يدعو إلى مواجهة التطرف الإسلامي والتنظيمات الإرهابية بالقوة المسلحة. "لكن- تستدرك البيان- يبدو أنّ الموقف الأميركي نابع من التجربة السابقة في محاربة تنظيم القاعدة خلال السنوات الـ14 الماضية، والتي لم تؤت الثمار المرجوة بل كان مردودها تفريخ تنظيمات أكثر دموية"، تحاول البيان تجرع الرفض الأمريكي.
لذلك، يمكن القول إن الإحباط الإماراتي وخيبة الأمل من دعم أوباما للرؤية الإماراتية لمكافحة "الإرهاب والتطرف" جعلها تتكتم على أي دور أمريكي في هذا المجال، على قاعدة "من ليس معي فهو ضدي". يبدو أن الإمارات قدمت رزمة واحدة لمكافحة "الإرهاب" عسكريا وأمنيا وإعلاميا، بيد أن الإدارة الأمريكية اكتفت بتأييد المساعي الإعلامية الإماراتية، وهو ما دفع الإماراتيين للصمت، في حين يصدح خبراء أمنيون أجانب "بشجاعة الإمارات" في مواجهة التطرف و"الإرهاب" أكثر من دول غربية، كما أشار "أوليفير جيتا".
السؤال المهم الآخر هنا، هل تمتنع الإمارات عن القيام بهذا الدور نكاية بالإدارة الأمريكية أم سوف تستمر في محاربة "الإرهاب والتطرف" بغض النظر عمن يساندها أو يتحفظ أو يرفض؟ إذا علمنا أن محاربة الإمارات "للإرهاب والتطرف" ليس عملا تطوعيا ولا خدمة اجتماعية لأحد حتى ليس نظام السيسي نفسه، ندرك الإجابة!