سرق التلاسن الذي وقع بين وزير الخارجية القطري الدكتور خالد بن محمد العطية، ووزير الاستخبارات الإسرائيلي يوفال شتاينتز في الجلسة الختامية من أعمال مؤتمر ميونخ للأمن، الأضواء من كل الشخصيات الهامة الحاضرة في اللقاء، ولفت الأنظار إليها، وكانت محل رصد الحاضرين في هذا الحدث الدولي الضخم.
وحشر رئيس الدبلوماسية القطري يوفال شتاينتز، في زاوية ضيقة مفحما إياه بردود قوية دحضت مزاعم عدة حاول تمريرها أثناء جلسة نقاش حادة عن مستقبل الشرق الأوسط. إجابات العطية منعت خصمه من الرد، ولزم على إثرها الصمت من دون تقديم إجابة شافية جعلت رئيسة الجلسة تبهت من هذا الموقف الذي حصل للوزير الإسرائيلي وتسأله ما إن كان يرغب في التعقيب. ولم يحدث أن تعرض مسؤول إسرائيلي بارز لموقف مشابه منذ فترة طويلة، جعلت الحاضرين في مؤتمر ميونيخ من مسؤولين دوليين يتابعون باهتمام المناظرة التي لم يقتنعوا فيها بردود يوفال حينما حاول يائسا الربط بين حماس والإرهاب ودعم قطر لها.
وأكد العطية أن قطر تدعم المكتب السياسي لحماس وتوفر لها اللجوء بشكل علني وواضح والتي نفى أن تكون منظمة إجرامية، مؤكدا أنها تمارس حقا مشروعا وهو مقاومة عدوان إسرائيلي غاشم خلف آلاف الضحايا ودمر مناطق بأكملها ولم يستثن أي أحد. وأشار وزير الخارجية القطري إلى أن الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول عما يحدث من فوضى بتجاوزاته وحصاره المفروض على قطاع غزة وعرقلة كل جهود السلام الدولية من دون أي رادع يوقفه.
وأعاد المسؤول القطري تذكير الحاضرين بالعدوان الإسرائيلي المتكرر على القطاع، والانتهاكات السافرة التي يقوم بها جنوده والمتطرفين اليهود على المسجد الأقصى وانتهاك حرماته، مشيرا إلى أن هذه الممارسات هي التي يجب أن تكون محل انتقاد وليس الدفاع الشرعي عن أرض وكرامة يجب أن تكون مصانة وفقا للقرارات الدولية. وأكد الدكتور خالد في مداخلته المرتجلة أن إسرائيل حينما تطالب بالأمن يجب أن تتوقف هي أولا عن الممارسات الإرهابية وسيحل السلام المنطقة عموما ويتوقف كل هذا الدمار.
واستطرد لاحقا العطية مخاطبا الوزير الإسرائيلي من دون أن يلتفت إليه حتى ومتوجها للحاضرين، “بالنسبة لنا حماس ليست جماعة إرهابية، لديها توجهين اثنين: اجتماعي وسياسي وهناك توجه أهم هو أنها حركة مقاومة، إذا تخليتم عن احتلالكم فان حماس لن تقاتل، إنها في الواقع حركة مقاومة”. ولم يكتف الوزير القطري بهذا القدر حيث طالب من رئيسة الجلسة أن تمنحه وقتا إضافيا ليوضح وجهة نظره من كافة جوانبها، حيث أضاف لاحقا “مجددا فإننا لا ندعم الاٍرهاب هذا لمعلوماتك وبالطبع للجميع هنا، الأمر الآخر بالنسبة لعملية السلام وما تقومون به لإنشاء دولة يهودية بالقوة، العالم الآن يحارب جماعة تطلق على نفسها الدولة الإسلامية، وأنت تأتي لتتحدث عن دولة يهودية”.
وأكد العطية للوزير الإسرائيلي إلى أنه من الواجب أن تدعم بلاده أولا الجهود الدولية من أجل إحلال السلام حتى يعيش الجميع في سلام وهذا حسب المبادرة العربية.
وشغل الملف الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي للأراضي وجرائمها المرتكبة في حق المدنيين حيزا هاما من اللقاءات التي عقدها العطية على هامش أعمال المؤتمر وأكد خلالها على ضرورة تحرك المجتمع الدولي للجم آلة القمع الإسرائيلي والعمل على فك الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني.
وكانت أعمال مؤتمر ميونيخ للأمن الذي جرت وقائعه على مدى ثلاثة أيام في هذه المدينة الجنوبية من ألمانيا سجل حضورا بارزا لأزيد من 20 رئيس دولة، ونحو 60 وزير خارجية، ومئات المسؤولين الدوليين، إلى جانب عدد واسع من الخبراء وصناع القرار، ورؤساء المنظمات الإقليمية. ويحتل الحدث مكانته من الجهود المبذولة من قبل المشرفين عليه ليكون أحد أهم اللقاءات السنوية لاتخاذ القرارات المحورية على المستوى الدولي. وعلى مدى أيام المؤتمر الذي انطلقت أعماله يوم الجمعة واستمرت حتى مساء الأحد وسط إجراءات أمنية مشددة، حاول الحاضرون تبادل وجهات النظر حول المواقف تجاه عديد القضايا الدولية وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية التي كانت أحد الملفات الرئيسة، إلى جانب الصراع في الشرق الأوسط بشقيه الفلسطيني وما نتج عن الحراك العربي الأخير، والنزاعات الثنائية وما خلفته من أزمات. واعتبر منظم المؤتمر الدبلوماسي الألماني السابق فولفغانغ إيشنغر أن الاجتماعات بحثت بشكل غير المسبوق الأزمات العالمية خلال العام المنصرم، للتوصل إلى سبب عدم قدرة المجتمع الدولي على مواجهتها. وحذر ايشنغر من أن “النظام العالمي ينهار حاليا”. وأضاف: “نعيش في زمن انهيار النظام. يختبر الجميع في هذا الفراغ إلى أي حد يستطيعون المواصلة: (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين في أوكرانيا، والصين في مواجهة اليابان، وإيران في الملف النووي، والجهاديون في أفعالهم الفظيعة”. وأكد ايشنغر أن “هناك حاجة ضرورية جدا لحوكمة عالمية. يجب على مجلس الأمن الدولي حل أزمة كل أسبوع: (كأزمة) إيران، أو سوريا. ولكن عوضا عن ذلك يبدو المجلس في طريق مسدود”، ولا توجد أي رغبة في الإصلاح.