أمجد عرار
لم يكتف وزير الخارجية "الإسرائيلية" أفيغدور ليبرمان، بمنع بعثة من البرلمان الأوروبي بزيارة الأسرى الفلسطينيين في السجون، بل طعّم رفضه بالسخرية من الأوروبيين حين اشترط لموافقته على الزيارة سماح الاتحاد الأوروبي لوفد "إسرائيل" بزيارة السجون في أوروبا . وعلاوة على السخرية المتفتّقة من هذا الموقف الوقح، فإن فيه مغالطة سياسية سافرة، إذ أن الكيان يوازي بين معتقلين في سجون أوروبا والأسرى السياسيين الفلسطينيين العرب الذين زج بهم الاحتلال في سجونه لرفضهم واقع الاغتصاب ونهب الأرض واستيطانها واستمرار جرائم القتل والطمس والتهويد .
لو أن جهة أخرى غير "إسرائيل" التي فعلت ذلك، لقامت الدنيا ولم تقعد . لكنّه منطق الاحتلال المسكوت عنه في زمن النفاق الدولي . ومع ذلك، فالاحتلال يدرك ما ترتكبه يداه بحق الأسرى في قبور يسميها تجاوزاً سجوناً، ولا يريد للعالم أن يطلع على الأوضاع المزرية والظروف القاسية التي يعيشها الأسرى حيث تنتهك أبسط حقوقهم الإنسانية .
"إسرائيل" التي تتشدّق ليل نهار بالسعي للسلام، وتتظاهر بارتداء جلد الحمل الوديع، ولا تتوقّف عن اختراع الاتهامات للفلسطينيين والعرب وغيرهم، اعتقلت 3874 فلسطينياً خلال العام 2013 وحده، أي بمعدل 323 حالة شهرياً، وما يقارب من 11 حالة يومياً، ولم يُسجل بأن مرّ يوم واحد خلال ذلك العام من دون أن يجري فيه اعتقال فلسطيني هنا أو هناك . هذه الاعتقالات طالت جميع شرائح وفئات المجتمع الفلسطيني، ولم تستثن حتى المرضى والمعاقين وكبار السن والأطفال والنساء والنواب والقيادات السياسية والإعلاميين والصحافيين والأكاديميين .
من حيث المبدأ، وبالنسبة لمن بقي لديهم مبدأ في هذا الكون، لا يمنح طول الزمن شرعية لأي استعمار أو احتلال أو سيطرة على شعب آخر . لكن ليست المبادئ وحدها ما يتجاهلها المتنفّذون فيما يسمى المجتمع الدولي الذي تضرب "إسرائيل" بقايا مبادئه عرض الحائط، بل إن القانون الدولي نفسه يلقى في سلّة النفايات في كل حالة تتعلق ب "إسرائيل" . فالاعتقالات "الإسرائيلية"، وما يصاحبها من تعذيب جسدي ونفسي وانتهاكات جسيمة، تشكّل انتهاكاً جسيما لقواعد هذا القانون، وترتقيفي كثير من الأحيان إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يجب توثيقها بشكل علمي وتسليط الضوء عليها، وإثارتها في كل المحافل . لكن "إسرائيل" تمنع أية جهة محلية أو دولية من الاطلاع على ما يجري في سجونها العلنية والسرية .
هذا الاحتلال الأسوأ في التاريخ، يعتقل الأطفال في سن العاشرة والحادية عشرة ويقدّمهم للمحاكم ويزجّهم في السجون بلا مراعاة للقوانين الدولية والأعراف والشرائع الأرضية والسماوية . وهو كذلك يعتقل النساء بمن فيهن الحوامل اللواتي يضعن في السجون، لينفرد هذا الاحتلال بجريمة يندى لها جبين الإنسانية، إذ يخرج مولود من رحم أمّه ليتحوّل إلى أسير منذ الولادة . في هذه الأيام، حيث يحتفل العالم بيوم المرأة العالمي، تقبع خلف القضبان اثنتان وعشرون أسيرة، يعاني بعضهن أمراضاً صعبة، في حين يرفض الاحتلال تلقيهن العلاج
لكن في مطلق الأحوال، هذا الواقع يستمد مرارته ليس فقط من ممارسات "إسرائيل"، إنما أيضاً من صمت المجتمع الدولي الذي يرقى إلى مستوى التواطؤ، حيث يضعها فوق القانون وفوق الشرعية الدولية .