هل بدأت السعودية التطبيع مع النظام السوري؟ سؤال يطرح نفسه على المراقبين للعلاقات بين النظامين السعودي والسوري، التي مرت بحالة من الفتور ثم القطيعة، والاتهامات المتبادلة بين النظامين، عقب اندلاع الثورة ضد نظام بشار، ومحاولة النظام السعودي "ركوب موجة" الحالة الثورية، وإعلان الرياض دعم المعارضة المسلحة و"بعض" القوى الثورية، وطرد السفير السوري من الرياض، وتبني السعودية بقوة منح مقعد سوريا في جامعة الدول العربية للائتلاف السوري المعارض- هو لم يحدث حتى الآن، ودعوة رموز المعارضة السورية القريبة من السعودية والأردن لاجتماعات في الرياض، وصولًا إلى مشاركة السعودية في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة للحرب على "تنظيم الدولة الاسلامية" بمقاتلاتها الأمريكية، ثم التناغم مع نظام بشار وطرح حلول سعودية للأزمة، طبقًا للنموذج اليمني، بإجهاض ثورة الشباب , واقتسام السلطة بين نظام بشار والمعارضة السورية "الأمريكية"، وتحصين بشار وأسرته من المساءلة والمحاكمة، كما حدث مع عبد الله صالح في اليمن.
الخط الأمريكي.. والنموذج اليمني!
وطبقًا لمصادر في الرياض، فان السعودية سارت "على الخط الأمريكي"، الذي يستهدف القضاء على القوى الثورية المسلحة في سوريا، وتكون البداية بتنظيم الدولة الاسلامية، ثم جبهة النصرة، وغيرها من الجماعات المسلحة المعارضة لسعودية وأمريكا، والتحالف مع النظام السوري في هذه المرحلة، ولذلك وجدنا تنسيقًا في ضربات الطيران السعودي والأمريكي والإماراتي مع طيران النظام السوري في توجيه ضربات جوية إلى معاقل القوى الثورية في الرقة ودير الزور، وتأجيل اي حديث عن مستقبل النظام السوري في ظل الحرب على "تنظيم الدولة الإسلامية".
ولكن من الواضح أن هناك خطوات أخرى اتخذتها السعودية للتنسيق مع نظام بشار الأسد برعاية روسية، واستفادة نظام دمشق من علاقة موسكو بالرياض، وكانت زيارة وزير الخارجية السوري إلى موسكو للتنسيق مع روسيا وتوصيل رسائل لرياض، كذلك استفادة النظام السوري من علاقته مع زعيم الانقلاب العسكري في مصر، الذي أظهر دعمه لبشار ونظامه، وتوسيطه لعلاقة مع السعودية، وهو الأمر الذي انعكس على الخطاب السعودي تجاه سوريا، الذي لا يتحدث إلا عن إرهاب الجماعات "داعش" و"النصرة"، وتوارى تمامًا، بل اختفى اي حديث عن جرائم بشار والنظام السوري.
السماح للشاحنات بالمرور
في خطوة مفاجئة كشف أمين سر اتحاد المصدرين في سوريا "مازن حمور"، أن رئاسة مجلس الوزراء في نظام الرئيس السورى بشار الأسد، وافقت على السماح بدخول شاحنات النقل التجارية التي تحمل لوحات سعودية إلى سوريا، موضحًا أن دخولها سيكون عبر معبر نصيب الحدودي مع الأردن.
وأكّد "حمور" - حسبما أشارت صحيفة "الوطن" السورية- أن هذه الشاحنات تعمل في مجال النقل بالسعودية، مشيرًا إلى أن هذا القرار سيدعم الحركة التجارية والحدّ من تكلفة المنتجات المستوردة، واستئناف العلاقات التجارية بين البلدين.
وقبل هذه الخطوة اتخذت وزارة الثقافة والإعلام السعودية قرارًا بإغلاق مكتب قناة "وصال" في الرياض، ومنع أي بث لها من المملكة، وهي القناة التي يديرها الشيخ عدنان العرعور، وتدعم من مشايخ السعودية، في خطوة مفاجئة بعدها بساعات تمت الاطاحة بوزير الثقافة والإعلام السعودي د. محيي الدين خوجه، كما تم تجميد حسابات الشيخ عدنان العرعور وأولاده في السعودية، ومنعه من جمع تبرعات للقوى المعارضة المسلحة في سوريا، بعد أن كان مرحبًا به ويحظى بالدعم القوي من وزارة الداخلية، وإن جميع حركات العرعور كانت تتم بعلم الداخلية السعودية.
العلاقة بين بشار والعاهل السعودي
والنظام السوري يعول على العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي تربطه علاقة وثيقة ببشار الأسد لإعادة العلاقات والبحث عن مخرج لبشار ونظامه، خاصة بعد تغير لغة العاهل السعودي الحادة من بشار والنظام السوري إلى "داعش"، وإعادة النظر في دور المخابرات السعودية الذي كان يمد "بعض" المعارضة المسلحة بالسلاح، نظير الحصول على الولاء للسعودية، وهو الذي تحقق لها في انتخابات الائتلاف السوري المعارض، الذي يقوده الان "سوري" عاش في السعودية وله علاقاته المالية والتجارية في جدة.
وكانت الأمانة العامة لدول مجلس التعاون أعلنت في منتصف العام الماضي (طرد) السفراء السوريين، لعدم تجاوب النظام السوري مع كل المبادرات الهادفة لحقن دماء الشعب السوري.. وفقًا لنص البيان: "تتابع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ببالغ الأسى والغضب تزايد وتيرة القتل والعنف في سوريا، الذي لم يرحم طفلًا أو شيخًا أو امرأة، في أعمال شنيعة أقل ما يمكن وصفها به بالمجزرة الجماعية ضد الشعب السوري الأعزل، دون أي رحمة أو شفقة أو حتى مراعاة لأي حقوق أو مشاعر إنسانية أو أخلاقية".
قطع العلاقات وطرد سفراء بشار
وأعلنت المملكة العربية السعودية رئيسة الدورة السابقة لمجلس التعاون، بأن دول المجلس قررت سحب جميع سفرائها من سوريا، والطلب في الوقت ذاته من جميع سفراء النظام السوري مغادرة أراضيها وبشكل فوري، وذلك بعد أن انتفت الحاجة لبقائهم بعد رفض النظام السوري كل المحاولات، وأجهضت كافة الجهود العربية المخلصة لحل هذه الأزمة وحقن دماء الشعب السوري الشقيق.
وأضاف البيان: ترى دول المجلس أن على الدول العربية أن تجتمع في مجلس الجامعة وتتخذ كافة الإجراءات الحاسمة أمام هذا التصعيد الخطير ضد الشعب السوري، وأنها تشعر بالأسى البالغ والحزن الشديد على هدر هذه الأرواح البريئة، وتكبد هذه التضحيات الجسيمة، لا لشرف الدفاع عن الوطن ضد معتدٍ أجنبي، ولكن لتحقيق مآرب شخصية تهدف إلى الصراع على السلطة دونما أي اعتبار لكرامة المواطن السوري وحريته.