ينما سخر بعض المحللين من تصريحات "علي رضا زكاني" حول "قرب سقوط المملكة العربية السعودية وتفكك قبيلة آل سعود وتمدد النفوذ الإيراني في المنطقة"، رأى محللون آخرون أن المحلل السياسي الإيراني "زكاني" أصاب عين الحقيقة.
فبنظرة للتطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، وخاصة التطورات التي حدثت الشهر الماضي، سنجد أن كل هذه التطورات تصب في خانة انهيار إمبراطورية آل سعود، مثل صعود الحوثيين في اليمن واستمرار احتجاجات البحرين والحكم بالإعدام على الشيخ نمر النمر وتقدم تنظيم داعش في العراق وسوريا، وكذلك انتشار الانقسامات السياسية والاجتماعية والدينية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، كل ذلك يؤدي إلى نفس النتيجة: تآكل امبراطورية آل سعود.
رغم سيطرة السعودية على عدد من الدول العربية والإسلامية بعد السقوط العظيم للدولة العثمانية، بفضل الدعم البريطاني والأمريكي في مقابل "مرونة" حكامها وتماشيهم مع المصالح الغربية، فإن رغبة العائلة المالكة في ممارسة الإقصاء السياسي والنبذ الديني أدت إلى وضع أصبحت فيه المملكة عدو نفسها الأول.
الثروة والنفط
هيمنت عقلية الاعتماد على الثروة و"البترول" على هيكلة المؤسسات السياسية والدينية الأساسية في السعودية، حيث سمحت المليارات للمملكة بأن تراقب وتتحكم في حكومات وسياسات دول أخرى من بعيد، وهو الأمر الذي يجعلها اليوم رهينة لمدى قدرتها على تمويل تحالفاتها.
في الواقع، ستواجه المملكة قريبًا منعطفًا اقتصاديًا دراماتيكيًا، وهو ما أشار إليه "نيك باتلر" في مجلة "جلوباليست"، حيث يبدو أن السعودية فقدت السيطرة على سوق النفط العالمي بسبب الانخفاض الذي لم يسبق له مثيل، ويقول باتلر: “لم تعد السعودية في وضع يمكنها من عكس هبوط الأسعار” متابعا إن "التوقعات السياسية والاقتصادية السلبية داخل أوبك من شأنها أن تُفشل أي محاولة لتقييد الإنتاج العالمي؛ وهو ما يضع المملكة العربية السعودية تحت ضغظ كبير. من الصعب التفكير في أي دولة عضوة في أوبك، ربما باستثناء الكويت، قادرة على تحمل الخفض المستمر في الإنتاج والإيرادات بما في ذلك السعوديون أنفسهم”.
السعودية اليوم هي ضحية حساباتها السيئة، وقد أشعلت فعلاً النار التي ستلتهم بيتها الداخلي وستسقط دول الخليج على الأرض، فالسعودية ستكتشف قريبًا أنها غير قادرة على تمويل الحروب بالوكالة التي بدأتها في اليمن وسوريا والعراق ومصر وليبيا والبحرين.
من المؤكد أيضًا أن أحد أسباب تعزز النفوذ التركي الإيراني في المنطقة منذ سنة 2011 هو عثرات السعودية السياسية.
الوقت ينفذ
بينما تدعو بعض الدول للتحرر السياسي دخلت دول أخرى في معركة مريرة ضد التطرف الإسلامي؛ الأمر الذي يجعل الشرق الأوسط الذي نعرفه يخضع لإعادة هيكلة واسعة النطاق وإعادة رسم لخارطته، وهو ما عبر عنه "زاكاني" ببلاغة: "ثلاثة عواصم عربية قد انتهت اليوم إلى أيدي إيران وانضمت للثورة الإسلامية، فصنعاء هي رابع عاصمة عربية تقترب من الانضمام إلى الثورة الإيرانية".
رغم أن الحوثيين يؤكدون أنهم مستقلون بالكامل، لا يمكن لأحد أن يجادل بأن الفصيل الزيدي (والذي هو أقدم فروع الإسلام الشيعي) لا يميل لطهران التي توفر لهم الدعم والتوجيه كما فعلت في السابق مع حزب الله اللبناني ومؤخرًا مع الأصدقاء في بغداد.
لا يتعامل الإيرانيون كما يتعامل السعوديون مع حلفائهم، ففي حين تتعامل السعودية كما يمكن لملك أن يحكم السياسة، تنهج إيران سياسة عدم التدخل في السياسات الداخلية لحلفائها وتكتفي بتقديم النصيحة غير المباشرة ودون إملاء؛ وهو ما يجعل الجمهورية الإيرانية أكثر جاذبية، ويجعل مظلتها الأيديولوجية أكثر شمولية، فبينما اعتمدت السعودية سياسة المطرقة ضد كل تلك الدول التي حاولت السيطرة عليها، نجحت إيران في تقديم نفسها كبديل.
مع إدانة الكثيرين للهيمنة السعودية ولنظام الحكم الاستبدادي القائم فيها، بدأت علامات التآكل تظهر على الصرح السعودي، وذلك عبر تنامي التوترات والضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية.
كل ما جعل موقف السعودية قويًا في المنطقة يتفكك الآن. فوضعها اليوم كقائد ديني ينهار إثر الادعاءات بأنها تقف خلف داعش، كما أن اقتصادها على شفا الانهيار، ومجتمعها يزداد تمرّدًا تحت ضغوطات الطائفية وغياب العدالة الاجتماعية، وظهور تحديات لدورها من تركيا وإيران.
الجهاد الأكبر عند الإيرانيين
بعد خطبته العصماء عن انهيار السعودية المنتظر، تحدث زكاني أمام البرلمان وأشار إلى سماه مرحلة "الجهاد الأكبر" لدى إيران. مشيرا إلى نية إيران لإعداد وتصدير مشروعها ونموذجها من الثورة الإسلامية للمنطقة الأكبر، من أجل تحقيق ما يُفهم على أنه استقلال وتحرر سياسي واجتماعي وديني في إطار ثوابت الإسلام.
الجهاد الأكبر عند الإيرانيين لا يجب أن يفهم على أنه الحرب أو القتال، وإنما هو حملة أيديولوجية، فغالبًا ما يقول علماء الدين إن الجهاد الحقيقي ليس الدخول في حرب وإنما إحداث تغيير سلس لدى الآخرين، وهنا يشير "زكاني" إلى أن هذه المرحلة من الجهاد الأكبر "تتطلب سياسة خاصة ونهجًا حذرًا لأنها قد تؤدي إلى العديد من التداعيات"، مشيرًا إلى أن خطأ السعودية الشنيع عندما آمنة بقناعة عمياء أن صوت المال سيكون أعلى في النهاية.
تحدث "زكاني"، الاستراتيجي المخضرم، أمام البرلمان عن مرحلة الجهاد الأكبر التي ستدخلها إيران لتوسيع نفوذها ونموذجها بشكل إقليمي، ونصح البرلمان أن يحرص على دعم الحركات التي تعمل ضمن إطار الثورة الإيرانية حتى تتمكن من إنهاء الظلم ومساعدة المظلومين في الشرق الأوسط، بكلمات أخرى: ستعمل إيران على أن تكون دولة قائدة وليست طاغية أو ديكتاتورا للسياسات كما تفعل السعودية.
وعلى العكس من السعودية، تريد إيران أن تصبح محور التغيير، والصوت المروّج للتحول السياسي.
قبل الثورة الإسلامية في 1979، كان الشرق الأوسط منقسمًا بين قطبين ينتميان للمحور الأمريكي؛ السعودية الملكية الدينية المُطلقة وتركيا العلمانية الجمهورية، أما بعدها فقد دخلت الحسابات قوة إسلامية شيعية جمهورية. بعد ثلاثة عقود، أصبحت تركيا مجرد شبح لعلمانية مضت، في حين أضحت السعودية تواجه التمرّد في الداخل والخارج. أما إيران، فهي تجد نفوذها اليوم في تصاعد نظرًا للفراغ الذي خلفته أنظمة كثيرة، مثل نظام صدام، وغيره ربما في طريقه إلى السقوط.
في خطابه، قال زكاني:"هناك الآن قُطبان، الأول تحت قيادة أمريكية ويضم حلفاءها العرب، والثاني تحت قيادة إيرانية ويضم الدول التي انضمت إلى مشروع الثورة الإيرانية".
بغض النظر عن موقفنا من إيران ومن تحركاتها، أو أيا ما كان التحامل ضد الجمهورية الإسلامية، يجب أن نعترف أن الشرق الأوسط اليوم أصبح فارسيًا أكثر من أي وقت مضى.