كشفت صحيفة ميدل إيست آي البريطانية أن غياب كل من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عن قمة شرم الشيخ التي جمعت الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والمصري عبد الفتاح السيسي لبحث تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، حمل دلالات سياسية تتجاوز حدود المناسبة الدبلوماسية.
ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن مصادر إماراتية وسعودية ومصرية، فإن هذا الغياب "لم يكن عرضياً"، بل جاء ليعكس رفض أبوظبي والرياض منح القاهرة مساحة أكبر من الأضواء الدولية أو الظهور بمظهر القائد الإقليمي في الملف الفلسطيني.
وقالت المصادر إن القمة، التي عُقدت في المنتجع المصري المطل على البحر الأحمر، أكدت على الدور الكبير الذي لعبته القاهرة في مفاوضات الهدنة بين الاحتلال الإسرائيلي وحماس، إلا أن ذلك الدور أثار استياءً في العاصمتين الخليجيتين اللتين ترغبان في أن تكونا الطرف الأكثر تأثيراً في مرحلة ما بعد الحرب.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي مصري مقرب من الرئاسة قوله إن أبوظبي والرياض، بإرسالهما وزراء بدلاً من قادتهما، "أظهرتا ترددهما في منح مصر مكانة أكبر"، مضيفاً أن "مصر أمضت أسابيع تحت الأضواء الدولية في التوسط للمحادثات، وهو ما لم يَرُق لدول الخليج التي ترى نفسها صاحبة التأثير الأوسع لدى واشنطن".
تباين في الرؤى تجاه حماس
وأشار تقرير ميدل إيست آي إلى أن التوتر بين القاهرة وبين أبوظبي والرياض لا يرتبط فقط بالهيبة السياسية، بل يعكس أيضاً انقساماً أيديولوجياً عميقاً تجاه حركة حماس.
فبينما تنظر مصر إلى حماس كطرف لا يمكن تجاهله في المعادلة الميدانية والسياسية لغزة، ترى الإمارات والسعودية الحركة تهديداً سياسياً وأمنياً يمثل امتداداً للإسلام السياسي الذي تعارضان نفوذه في المنطقة.
وقال مصدر سعودي كبير للصحيفة إن "المملكة تخشى أن تلقى قصة حماس صدى لدى السعوديين الذين يتساءلون بالفعل عن الاتجاه الليبرالي الجديد في البلاد"، مضيفاً أن "أبوظبي والرياض محبطتان من أن وقف إطلاق النار لم يؤد إلى تفكيك حماس بالكامل".
أما مصدر إماراتي مقرّب من دوائر الحكم، فأوضح أن "بقاء حماس، حتى وإن لم تعد تحكم غزة، يشكل سابقة خطيرة"، مؤكداً أن الإمارات والسعودية "تعارضان أي اتفاق يسمح للحركة بالصمود".
تنافس على الزعامة الإقليمية
يؤكد التقرير أن المشهد في شرم الشيخ يعكس تنافساً أوسع على الزعامة العربية بين القاهرة من جهة، وأبوظبي والرياض من جهة أخرى. فبينما يحاول محمد بن سلمان تقديم نفسه كـ"صانع سلام جديد" في المنطقة، يرى مراقبون أن القاهرة استحوذت على الأضواء من خلال دورها في التهدئة، وهو ما "كان من الصعب تقبّله" بالنسبة للقيادات الخليجية، وفق ما نقلته الصحيفة عن مصدر سعودي.
كما أشار خبير أمني في الشرق الأوسط إلى أن "الغياب الخليجي عن القمة كان بمثابة بيان دبلوماسي يوضح مدى انقسام العالم العربي"، موضحاً أن هذا الانقسام "يمزّق المنطقة بين الخشية من التطبيع مع إسرائيل دون تحقيق العدالة للفلسطينيين، وبين الحاجة إلى الحفاظ على العلاقات مع الغرب".
واختتم التقرير بالإشارة إلى أن المقاعد الشاغرة لقادة الخليج في القمة كانت التعبير الأوضح عن هذا الصراع الصامت، إذ كانت القمة فرصة لتأكيد عودة مصر إلى موقع القيادة الإقليمية، لكنها في الوقت نفسه كشفت عن قصة فخر وسياسة وتنافس لم ينتهِ بعد.