تسلط قضية "الإمارات 84" لمحاكمة معتقلي الرأي في البلاد، الضوء مجدداً على مسألة تعيين القضاة الأجانب في الدولة، حيث يترأس المحكمة التي تدير هذه القضية قاضٍ أردني يدعى "هشام الصرايره"، وهو ما يثير العديد من علامات الاستفهام.
ويتساءل حقوقيون: لماذا يتم اللجوء إلى قاضٍ أردني لمحاكمة 84 مواطناً إماراتياً داخل بلادهم؟ ولماذا يترأس قاضٍ أجنبي دائرة أمن الدولة في محكمة أبوظبي الاستئنافية الاتحادية خصوصاً أنها محكمة يفترض أنها تتعامل مع قضايا حساسة تمس أمن الدولة الإماراتية، وبالتالي فإن المعلومات التي تحصل عليها المحكمة لها طابع سري؟
وللإجابة على هذه التساؤلات يقول مركز مناصرة معتقلي الإمارات في مقال رأي له، نشره على موقعه الإلكتروني، إنه "منذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971 كان مفهوما وجود حاجة حقيقية للقضاة "العرب" أصحاب الخبرة الذين ساهموا في تأسيس العمل القضائي في الإمارات وذلك لقلة العناصر البشرية المؤهلة من الشباب الإماراتي في ذلك الوقت، ولكن مع مرور الوقت لم تعد الاستعانة بهذه الطاقات مسألة حاجة وضرورة بقدر ما أصبحت مسألة إدارة وتحكم في العمل القضائي".
وأكد المركز، أنه لم يعد هناك مبرر واضح لوجود هذا الكم الهائل من القضاة العرب في جميع أنواع المحاكم الإماراتية سوى رغبة سلطات أبوظبي بممارسة هيمنتها على القضاء ومواصلة تدخلها باستقلاله من خلال التعامل مع القضاة كموظفين تستوردهم من الخارج وتنهي خدماتهم متى تشاء.
وأشار إلى أن "سلطات أبوظبي بات واضحاً أنها لا ترغب بتوطين القضاء حتى لا يكون ابن الإمارات صاحب الثقل ومن ثم يطالب بالقضاء المستقل كما هو الحال في الدول التي تحترم استقلال وهيبة القاضي والقضاء، ولذلك فهي تلجأ لاستقطاب القضاة من الخارج باستخدام نظام الإعارة، فتقوم بتمديد إعارة من يتعاون معها وتطرد من لا يعجبها".
وقد أشارت المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، غابرييلا كنول، في تقريرها عام 2014 إلى هذه النقطة، وأعربت عن قلقها إزاء استقلالهم، حيث ورد في تقريرها: "يُستقدَم كثير من القضاة من بلدان عربية أخرى للعمل في الجهازين القضائيين الاتحادي والمحلي على أساس مؤقت، ويتجاوز عددهم في بعض المحاكم عدد القضاة من مواطني الإمارات العربية المتحدة".
"إجراءات نادرة"
وصفت المقررة هذه الظاهرة بأنها غير شائعة على الإطلاق على مستوى العالم، مشيرة إلى أن السلطات الإماراتية رفضت تزويدها بأرقام مفصّلة عن القضاة من غير المواطنين الذين يعملون على الصعيدين الاتحادي أو المحلي، بما في ذلك عددهم أو بلدانهم الأصلية أو توزيعهم على المستويات الهرمية المختلفة أو معايير اختيارهم.
وأوضحت المقررة أن مدة ولاية القضاة غير المواطنين ليست مضمونة على ذات النحو الذي تُضمن به ولاية القضاة المواطنين، حيث يتم استقدام القضاة الأجانب بموجب عقود مؤقتة يتعيّن تجديدها سنوياً، مؤكدة أنها تشعر بالقلق إزاء إمكانية فصل القضاة غير المواطنين في أي وقت، ما يجعلهم عرضة للضغوط من أي جهة، بما في ذلك من النيابة العامة ومن أعضاء السلطة التنفيذية.
وبالنظر إلى تقرير غابرييلا كنول، يجد المركز العديد من النقاط أبرزها، أن "عدد القضاة الأجانب في بعض المحاكم يتجاوز عدد القضاة من مواطني الإمارات، وهو وضع لم يتغير حتى اللحظة رغم وعود السلطات للمقررة بأنها تعمل على تغيير هذا الوضع".
ثانياً، وهي ذات صلة بالنقطة الأولى، تتمثل برفض السلطات تزويد المقررة بأرقام مفصّلة عن القضاة من غير المواطنين الذين يعملون في الإمارات، وهذا يؤكد أن أبوظبي لا ترغب بالتعامل مع هذا الملف بشفافية، وأن أعداد القضاة غير المواطنين كبيرة إلى حد لا يمكن تبريره.
أما النقطة الثالثة التي تعتبر الأهم، وهي استقطاب القضاة بموجب عقود مؤقتة يتم تجديدها سنوياً، إضافة إلى قدرة السلطات الإماراتية على طرد القضاة في أي وقت دون وجود ضمانات تحميهم، وبالتالي قدرتها على ممارسة الضغوط عليهم والتأثير على قرارتهم.
ويقول مركز مناصرة معتقلي الإمارات، إن "سلطات أبوظبي نجحت في تحويل هؤلاء القضاة إلى موظفين، فالقاضي الذي يلتزم بمبدأ استقلال القضاء في الإمارات أو يحاول ترسيخ هذا المبدأ لا يبقى طويلًا في الإعارة، أما الذين يتعاون مع السلطة التنفيذية فتمدد لهم الإعارات حتى لو كانت مستوياتهم في العمل القضائي ضعيفة".
وأشار إلى أن "العديد من الحالات حصلت وتؤكد ذلك، ولعل أبرزها ما حصل مع المستشار المصري فؤاد راشد في 2013، حيث تم فصله وإنهاء إعارته بسبب كتابات تتعلق بالشأن المصري، وترحيله من الإمارات بطريقة مهينة".
ولفت إلى أن "هذه الواقعة تؤكد بلا شك أن السلطة التنفيذية في الإمارات فوق القضاة، ولديها القدرة على ابتزاز القضاة الأجانب وفصلهم متى أرادت ذلك، وهو ما ينسف استقلال القضاء، ويجعل من القضاة مجرد موظفين منفذين لأوامر الحكومة." وفق رأي المركز.
اقرأ أيضاً: