لا شيء يشرح حقيقة الفوضى المفتوحة على مصراعيها في منطقة الشرق الأوسط أفضل مما يدور على أرض اليمن في الوقت الراهن.
القوة المسلحة المدعومة من إيران، والمُتخذةُ من حزب الله اللبناني قدوةً لها، وأحد نبتات الإسلام الشيعي دخلت إلى العاصمة اليمنية صنعاء، وأحكمت سيطرتها على ميناء الحُديدة على البحر الأحمر، وتتوجه الآن صوب الجنوب وعينها على أحد أهم المضايق الحساسة لتجارة النفط في المنطقة: (قطع باب المندب) أو مضيق باب المندب بين الجزيرة العربية والقرن الإفريقي لتضييق الخناق على قناة السويس والملاحة في البحر الأحمر.
العدوان الحوثيّ المتمدد في ظل الصرخة المشهورة: ”الموت لأمريكا، اللعنة لليهود“ بدأ ويستمر تحت سمع وبصر القاعدة الأمريكية في جيبوتي؛ حيث الطائرات بدون طيار تنطلق بتوجيهات وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) وقيادة العمليات الخاصة المشتركة لتقصف مواقع لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وفي الوقت ذاته فإن الحوثيين يتولون مهمة حماية السفارة الأمريكية في صنعاء.
ومهما كانت مطالب الحوثيين الإقليمية - كان لهم دورٌ في ثورة 2011م، وقاموا بمظاهرات سلمية ضد الظلم الاجتماعي والفساد الاقتصاد - فإنهم اليوم يظهرون ويتحركون وكأنهم قوة تُحركها دوافع أيدلوجية متسلّحةً بقوة. يسيطرون الآن على العاصمة والميناء الرئيسي في شمال اليمن، ويهاجمون الآن شركة سفير؛ أكبر شركات النفط اليمينة.
السعودية والإمارات دعمتا الحوثيين والآن يعيشان الكابوس
الفوضى تزداد سوءًا عندما تضع في الحُسبان أدلة تتكشف يومًا تلو الآخر لتُظهر أن أقوى حلفاء اليمن - في السعودية والإمارات - هم من وضعوا الحوثيين على أول الطريق وقالوا لهم انطلقوا. لم تكن هناك معارضةٌ للحوثيين؛ لأن القوات الحكومية التي ما تزال موالية للرئيس السابق القوي«علي عبدالله صالح» تخلت عن قواعدها. ببساطة يمكن القول أن الحوثيين أخذوا العاصمة على طبقٍ من فضة.
أستطيعُ أن أُميط اللثام عن اجتماعٍ تمّ قبل أشهرٍ من عدوان الحوثيين على صنعاء، هذا الاجتماع كفيلٌ بالإجابة على التساؤلات بشأن تبخّر قوات«صالح» مع اقتراب الحوثيين من العاصمة. جاءت المعلومات من مصادر مقربة من الرئيس الحالي «عبد ربَّه منصور هادي» الذي اكتفى بتوجيه اللوم والتوبيخ.
وطبقًا لهذه المصادر فإن «هادي» أفاد بأن اجتماعًا عُقدَ في روما شهر مايو/آيار الماضي بين الإيرانين وأكبر أبناء صالح – أحمد بن علي عبدالله صالح – الذي كان قائدًا للحرس الجمهوري وسفيرًا لبلاده لدى الإمارات. الإيرانيون أخبروا نجل صالح أنهم لا يمانعون في تعزيز موقفه في اليمن شريطة أن وحدات القوات الحكومية الموالية لأبيه لا تعترض طريق الحوثيين.
وكشف «هادي» أن الإمريكيين أخبروه باجتماع روما لكن بعد فوات الأوان وسيطرة الحوثيين على صنعاء.
الدعم الإيراني للحوثيين لم يعد موضع تخمين وسوق افتراضات. «علي أكبر ولايتي» - مستشار المرشد الإيراني للشئون الدولية – قال إنه يطمح أن يلعب (أنصار الله الحوثيين) في اليمن نفس الدور الذي يلعبه حزب الله في لبنان.
أمّا نائب طهران في البرلمان الإيراني - «علي رضا زاكاني»؛ المقرب من المرشد الإيراني – فقال خلال حديث أمام أعضاء البرلمان الإيراني إن صنعاء صارت العاصمة العربية الرابعة – بعد بغداد العراقية ودمشق السورية وبيروت اللبنانية – في قبضة الإيرانيين. لمدة عامين ظل المسئولون الاستخباراتيون والعسكريون الأمريكيون يقولون إن الكميات الكبيرة من الأسلحة الخفيفة وقاذفات (آر بي جي) تمّ تهريبها إلى داخل اليمن بمساعدة قوات القدس الإيرانية. وقام اليمن الشهر الماضي بترحيل ما قيل إنهما عضوان من قوات النُخبة الإيرانية إلى عُمان.
وعلى قناة الميادين؛ قال الكاتب والمحلل الإيراني «محمد صادق الحسيني»: «نحن اليوم سلاطين البحر الأحمر الجدد؛ نحن اليوم سلاطين الخليج. نحن اليوم محور المقاومة: طهران ودمشق والضاحية الجنوبية من لبنان وبغداد وصنعاء. نحن مَن سيرسم خريطة المنطقة. نحن سلاطين البحر الأحمر. تذكرون حين قال السيد حسن نصرالله – الأمين العام لحزب الله اللبناني – قبل عامين على ما أعتقد: نحن نأتيكم الآن من البحر المتوسط، ولكن لحظة إتياننا لكم من البحر الأحمر لم تأتِ بعد».
وعن السعودية كان وصف الحُسيني لها: «السعودية مجرد قبيلة في طريقها للانقراض».
وأضاف: «الآن؛ العزيز في اليمن والفقير في السعودية (في رد على كلام سابق للأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود: فقر اليمن في عزكم وعز اليمن في فقركم). هذا ليس بلغة الاقتصاد أو السلاح والعلاقات الدولية لكنه بلغة خلق جغرافية سياسية وكتابةُ تاريخ. المعادلة انقلبت ومرحلة التحوّل بدأت».
المصدر | ديفيد هيرست، هافينغتون بوست