هذه الحكاية غالبا ما تحدث بالطريقة نفسها، الفكرة ذاتها، الاختلاف في التفاصيل لا أكثر ..فذلك الشاب الوسيم ظل مصرا على عدم الزواج باعتبار أن امرأة مهما علا شأنها لا تستحق أن يمنحها حريته، ويصير سجين الوفاء لها ورهن الالتزامات ومسؤوليات الأبناء وطلبات الاسرة التي لا تتوقف، كان يرى في الزواج نهاية سيئة لا تليق بشاب يصفه أصحابه بـ «شيخ الشباب» .
حين شاءت الأقدار تزوج وكان سعيدا، ومع مرور السنوات استسلم الشاب لروتين الحياة الزوجية وصار رهين روتين الزواج والوظيفة والتكرار والملل، لكن وبعد عشرين عاما انتفض الشاب الذي في داخله، فصار يختلق الاسباب والمبررات لاشعال خلافات هنا وهناك مع زوجته ، صار يتصرف كمراهق وينتقد زوجته كأنه يكتشفها للمرة الاولى !
قالت زوجته إنها تشم رائحة امرأة أخرى تندس في التفاصيل، وقال أصحابه إن بعض الرجال تنتابهم هذه الحالة حين يواجهون الخمسين، فيموتون رعباً، ويقررون الهروب!
قرر الرجل أن يطلق زوجته، في ذلك الصباح حين عاد بعد انتهاء إجراءات الطلاق، وجد البيت مختلفاً، واسعاً كفضاء وصامتاً كصحراء فارغة، فرح عميقاً ونام باكياً وحين استيقظ وجد نفسه وحيداً لأول مرة منذ عشرين عاماً، شعر أن بناءً كان يبنيه منذ سنوات طويلة قد انهار وأنه لا مجال لترميمه، لكن العناد جعله يمعن في الهروب!
معظم الرجال في سن مبكرة يهربون من الزواج خوفاً من مسؤولياته أولاً، وخشية من فقدان حريتهم التي كرستها المنظومة الاجتماعية في أذهانهم، فالشاب يعود متأخراً إلى البيت قبل الزواج، لا أحد يسأله أو يسائله، ثم يسافر فلا يخبر أحداً، ويصادق عشرات الرجال ويرتبط بعشرات النساء لكن أحداً لا يعرف أسماء أصدقائه عادة ولا نوع علاقاته النسائية، مع ذلك يعامل كقديس محترم دائماً، هذه التنشئة تجعله ينظر لحريته كحق لا يجوز التفريط فيه بأي حال، كما وينظر للزواج بخوف شديد خاصة إذا تجاوز الثلاثين!.
بعض الرجال إذا تزوجوا فإنهم يهربون من الأسرة إلى العمل والأصحاب، ثم يهربون من المسؤولية بتفويضها للزوجة، فإذا وقف بعضهم أمام الخمسين انتفض كل شيء فيهم، فلا يبالون بحجم الدمار الذي يسببونه لأنفسهم ولغيرهم!.