نكون مخطئين كثيراً لو ظننا لبعض الوقت أننا محاطون بأشخاص كلهم يتمتعون بكامل الصحة الجسدية والعافية النفسية والاكتفاء التام، نكون مخطئين أيضاً إذ اعتقدنا أن غض النظر عن المشكلة يحلها، وغض الطرف عن الأخطاء يصححها وتجاهل الأمور يخفيها، مرور الزمن على المشكلة يجمدنا نحن لكنه لا يجمد المشكلة، إنها تبقى عالقة في منتصف المسافة بيننا وبين الطرف الآخر، أياً كان هذا الطرف الآخر: الزوج، الأبناء، الأقارب، الأصدقاء.
لذلك فإن أسهل طريق لعلاج المشكلة هو الحديث عنها بصوت واضح ومن دون تجميل أو مراوغة. في نهاية الأمر، المشكلة هي العقدة أو الصخرة التي تسد مجرى حياتنا وتمنعنا من التحرك بسهولة، أزل الصخرة وسيعاود النهر جريانه بسهولة، أزلها مبكراً قبل أن تصير جبلاً لا يمكن تحريكه!
أعرف أمهات وآباء لم يتمكنوا على امتداد سنوات طويلة من إيجاد طريقة للحوار مع بعضهم، ومع أبنائهم تحديداً، ولسبب ما غالباً ما تنتهي حواراتهم بالفشل، بالصراخ، وبمزيد من الخلافات وسوء الفهم، انتبه: إنهم على الرغم من ذلك لايزالون يحبون بعضهم كثيراً ويشتاقون لبعضهم ويرسلون القبلات والقلوب الحمراء ضمن رسائل البريد الإلكتروني.
مع ذلك لا يستطيعون الدخول للمربع الأخضر الآمن، مربع التفاهم وإكمال الحوار حتى النقطة الأخيرة التي تغلق الصفحة الأخيرة، لماذا؟ لأنهم لم يزيلوا تلك الحصاة الصغيرة التي اعترضت المجرى لأول مرة منذ عشرين عاماً ربما!
بعض الأشخاص من حولك قد يعانون من إشكالات شخصية ونفسية بسبب ضغوطات الحياة دون أن تعلم، بعضهم يتردد على معالجين نفسيين، وبعضهم يعاني الوحدة والخجل الشديد، والحساسية المفرطة عند التعامل مع الآخرين، بعضهم محبط منا ويعاني، وبعضهم مصاب باكتئاب حاد.
وقد يتناول أدوية مضادة له، هؤلاء يحتاجون لمن يسمعهم، لمن يصغي إليهم، وليس لمن يقدم لهم دروساً ومواعظ أو تعنيفاً وصراخاً، فلكي يخرجوا من الدائرة المظلمة المحشورين فيها لابد من يد تمتد لهم بحرص، وإلا فسيظل «حوار الطرشان» مستمراً، فلا هم يغادرون الاكتئاب ولا هم يسمحون لأحد بتجاوز المنطقة الآمنة!
حولنا أشخاص يجتهدون لإخفاء معاناتهم وآلامهم، ليظهروا بمظهر الشخص القوي أو ليجنبوك تحمل عبء آلامهم، قد يضحكون كثيراً، وقد يحولون أنفسهم إلى مهرجين لكي تضحك أنت من أعماق قلبك، لكنك إذا نظرت إلى عيونهم وأحسست جيداً بخفق قلوبهم ستعرف الحقيقة التي يحاولون جاهدين إخفاءها عن الجميع، واحد فقط يمكنه أن يلمس قلوبنا، ويخرجنا من الدائرة المغلقة للمربع الآمن!