لم تنضج شروط الحل السياسي بعد في اليمن، رغم أن الحديث عنه لا يتوقف، ولعل فشل انعقاد مؤتمر «جنيف2» بموعده المفترض منتصف الشهر الجاري إلا أحد مؤشرات بعد النهاية السياسية للحرب.
هذا هو التأجيل الثاني للمحادثات السياسية، التي يحاول المبعوث الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ إحياء المسار السلمي لعودة الأوضاع لما قبل الانقلاب الذي بدأ في 21 سبتمبر 2014 عند احتلال العاصمة صنعاء.
وعلى الأرجح لن تعقد جولة المحادثات نهاية الشهر في ظل عدم اعتراف الانقلابيين كليا وعمليا بالقرار 2216 أحد أهم مرجعيات التسوية السياسية، ولاشتراطهم إدراج خلاصة محادثات أحادية مع ولد الشيخ بمسقط في طاولة الحوار.
مع أن الحكومة الشرعية قبلت المشاركة بالمحادثات، وسبقتهم بإعلان أسماء وفدها التفاوضي، وقدمت بوادر إيجابية خلافا لمواقفهم السياسية وأعمالهم العسكرية على الأرض، والتي كانت جميعها تؤكد عدم جديتهم في السلم وتمسكهم بخيار الحرب والتصعيد لفرض شروطهم بالقوة.
ونتيجة لهذا الواقع كان لزاما على السلطة الشرعية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية أن تواجه التصعيد بنفس الأسلوب، مع أنها في الأصل تقوم بعمل مشروع لا يحتاج لمبرر، وهي صاحبة المشروعية التي تسعى لاستعادة سلطتها على الأرض، وإنهاء التمرد والانقلاب.
وأول هذا الرد وأقواه كان إعلان عملية «نصر الحالمة» لتحرير محافظة تعز، كبرى محافظات البلاد من حيث عدد السكان، وذات الأهمية الاستراتيجية والسياسية في معادلة الصراع الحالي.
تحرير تعز سيغير الموازين على الأرض كثيرا لصالح الشرعية وسيفقد الانقلابيين أهم ورقة لطالما راهنوا عليها طوال الأشهر السبعة الماضية عسكريا وسياسيا، وفي محادثات مسقط الماضية.
حتى اليوم تسير العملية بشكل جيد وبدعم كامل من قوات التحالف وبإشراف الرئيس هادي الذي عاد مؤخرا إلى عدن، ليتابع عن قرب سير المعارك بما تعنيه عودته من رسالة قوية على استقرار الأوضاع بعدن وبقية المدن المحررة، وأن السلطة الشرعية في الداخل.
نحن أمام متغيرين أحدهما عسكري يتمثل بعملية تحرير تعز والآخر سياسي وهو عودة الرئيس ومن قبله نائبه ورئيس الحكومة إلى أرخبيل سقطرى المنكوب بالأعاصير.
وإلى جانب هذا هناك تطور مهم ولافت يتمثل بإعلان تشكيل مجلس لقيادة المقاومة بمحافظة صنعاء بقيادة الشيخ القبلي والبرلماني البارز منصور الحنق، أحد أبرز الشخصيات التي أسهمت بإسقاط نظام صالح بثورة 11 فبراير 2011.
تشكيل مجلس بهذا التوقيت ليس رسالة إعلامية فقط، وإنما واضح أن هناك ترتيبات معينة على الأرض استدعت إعلان كيان لما سيجري لاحقا.
المجلس رسالة للانقلابيين، مفادها إن لم تنسحبوا من صنعاء فإن إخراجكم سيكون بالقوة، لاسيَّما مع وجود لواء كبير يتم إعداده بمنفذ العبر بدعم من التحالف، فضلا عن تأكيد رئيس هيئة الأركان اللواء محمد المقدشي أن صنعاء هي الخطوة الثانية بعد تحرير تعز.
كل هذه التطورات تصب لصالح السلطة الشرعية، وتقوي موقفها عسكريا وسياسيا، وتضعف موقف الطرف الآخر وتجعله محصورا بمربع جغرافي مكشوف وغير آمن مع تحضيرات تثوير المناطق الواقعة تحت سيطرته.
إن عودة الرئيس ومن قبله نائبه رئيس الحكومة أفقد الانقلابيين ورقة سياسية ظلوا يراهنون عليها لتأكيد مزاعمهم بأنهم أقوياء على الأرض، مقارنة بالطرف الآخر الذي يعجز عن إدارة المناطق المحررة من الداخل.
الأمر الآخر أن تحرير تعز سيمثل أكبر ضربة موجعة للمتمردين بعد تحرير الجنوب ومأرب، ولم يتبق لهم إلا الحديدة كمحافظة استراتيجية وصنعاء يمكن أن يراهنوا عليهما لتحقيق مكاسب سياسية في أي تسوية قادمة.
مع مرور الوقت يتم تجريد الانقلابيين من قوتهم عسكريا وسياسيا، وليس أمامهم من خيار سوى الالتزام بقبول تنفيذ قرار مجلس الأمن كطريق آمن ووحيد لتجنيبهم نهاية شاملة مهما حاولوا إنكارها أو المراهنة على عامل الوقت والضغوط الدولية، سواء من روسيا أو الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها التي تتذرع بالوضع الإنساني.