أحدث الأخبار
  • 07:33 . الاحتلال يرتكب مذابح في غزة تخلف أكثر من 130 شهيداً... المزيد
  • 05:16 . "الأمن السيبراني" يعلن أول إرشادات وطنية للطائرات بدون طيار... المزيد
  • 05:00 . السودان يتهم أبوظبي بانتهاك الأعراف الدبلوماسية بعد إبعاد موظفين قنصليين من دبي... المزيد
  • 11:44 . سوريا تُطلق هيئة وطنية للعدالة الانتقالية لمحاسبة جرائم نظام الأسد... المزيد
  • 11:43 . إحباط محاولة تهريب 89 كبسولة كوكايين داخل أحشاء مسافر في مطار زايد الدولي... المزيد
  • 11:29 . السفارة الأمريكية في طرابلس تنفي وجود أي خطط لنقل فلسطينيين إلى ليبيا... المزيد
  • 11:28 . السعودية تؤكد ضرورة وقف النار في غزة وأهمية دعم استقرار سوريا... المزيد
  • 11:26 . جيش الاحتلال الإسرائيلي: اعتراض صاروخ أطلق من اليمن... المزيد
  • 10:45 . الدوحة تستضيف جولة جديدة من محادثات الهدنة بين حماس والاحتلال... المزيد
  • 08:32 . "قمة بغداد" تحث المجتمع الدولي على الضغط لوقف الحرب على غزة... المزيد
  • 06:35 . "معرفة دبي" تعلق عمليات التقييم والرقابة بالمدارس الخاصة للعام الدراسي القادم... المزيد
  • 12:26 . الاتحاد الأوروبي يبحث مواصلة تعليق عقوبات على سوريا... المزيد
  • 12:19 . الجابر لترامب: الإمارات سترفع استثمارات الطاقة بأميركا إلى 440 مليار دولار بحلول 2035... المزيد
  • 11:12 . نيابة عن رئيس الدولة.. منصور بن زايد يرأس وفد الإمارات إلى القمة العربية في العراق... المزيد
  • 11:09 . سبع دول أوروبية تطالب الاحتلال بوقف حرب الإبادة في غزة وإنهاء الحصار.. وحماس تشيد... المزيد
  • 11:05 . إصابة شرطي إسرائيلي في عملية طعن بالقدس المحتلة... المزيد

الحداثة العقلية شرط كل الحداثات

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 09-04-2015

كتب الكثير عن ضرورة عدم ضياع الفرصة التاريخية التي تعيشها الآن مجتمعات الخليج العربية، فرصة تواجد ثروة بترولية وغازية هائلة تسمح، بثورة تنموية شاملة مستدامة، مادية ومعنوية، تمتد إلى آفاق المستقبل البعيد .
لكن القسم الأعظم من تلك الكتابات ركزت على الجانب الاقتصادي من تلك التنمية، من أجل انتقال تلك المجتمعات من اقتصاد ريعي استهلاكي إلى اقتصاد إنتاجي ومعرفي . وبالطبع فإن ذلك التحول الاقتصادي مهم وضروري لأنه يقرب تلك المجتمعات من الحداثة الاقتصادية القائمة على تطوير وسائل الإنتاج من خلال الاكتشافات العلمية والتكنولوجية، وعلى استقلالية المؤسسات الاقتصادية وإدارتها بكفاءة وفاعلية من خلال قوانين تضبط حركة السوق ومن خلال تقسيم العمل وتنظيم وتدريب القوى العاملة .
غير أن الحداثة الاقتصادية تلك ستتعثر، بل وستفشل، إن لم يصاحبها ولوج الحداثة الاجتماعية والثقافية والحداثة السياسية . فأنواع ومستويات الحداثة مترابطة ومكملة لبعضها بعضاً ولا تسمح بالانتقالية التلفيقية التي تجعلها متعارضة مع بعضها بعضاً .
فمن أجل أن تتوفر في الإصلاح الاقتصادي الشروط المطلوبة لتحديثه لا بد من ولوج الحداثة السياسية أيضاً . فوجود المؤسسات القانونية التي تفرض احترام القانون والالتزام به، وفصل واستقلالية سلطات الحكم الثلاث، التشريعية والحكومية والقضائية، ومراقبتها لبعضها بعضاً، ووجود الإعلام الحر المراقب، وترسيخ مبادئ المواطنة المتساوية، ستكون ضمانات ضد الفساد والمحسوبية والاستغلال في الحياة الاقتصادية، وضمانات لوجود الشفافية والمحاسبة وعدالة التوزيع .
والحداثتان الاقتصادية والسياسية تحتاجان بدورهما إلى حداثة اجتماعية تغير أسس العلاقات في المجتمع . فالمجتمعات تحتاج أن تنتقل من البدائية التقليدية، حيث تهيمن العلاقات القبلية والعشائرية والأصول العائلية أو المذهبية أو العرقية، إلى المجتمعات التي تكون فيها المعايير الحاكمة معايير الجهد والإنتاجية والكفاءة والإبداع والخدمة العامة والتميز في القيام بواجبات ومسؤوليات المواطنة .
إنه مجتمع يوازن بين الفرد والمجتمع بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، وهو منفتح على التغيير والتجديد بعقلانية وبلا عقد ماضوية .
هنا نصل إلى النقطة الأساسية، وهي أن تلك الحداثات الثلاث، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لا يمكن أن تشترى بالمال ولا يمكن أن تحدثها طموحات فردية . إن الطريق إليها هو السير في دروب الحداثة الثقافية والفكرية التي تؤدي إلى تهيئة الإنسان والمؤسسات وكل قوى المجتمع المدني للانخراط في تلك الحداثات الثلاث بسلاسة ومن دون هزات كبيرة تشوهها أو ترجعها إلى المربع الأول .
إن الحداثة الثقافية والفكرية تهدف إلى تغيير الإنسان، من خلال إقناعه وتعليمه، ليصبح مقتنعاً وقادراً على ممارسة ثوابت ثقافية وفكرية جديدة في حياته .
في قمة هذه الثوابت استعمال العقل والمناهج العقلانية والأساليب العلمية عند تعامله مع التراث والتاريخ وما يقرأ أو يسمع أو يشاهد أو يمارس في حياته اليومية، وبالتالي لا يسقط تحت سحر الخرافات والدعايات والآمال الكاذبة . إنها عقلانية قادرة على تحليل الأمور بإبداع ونقدها وتجاوزها إن لزم الأمر .
في قلب هذه الثوابت احترام الإنسان لاستقلالية ذاته من خلال تكوين قناعاته بحرية ومسؤولية، وبالتالي عدم خضوعه أو ذوبانه في الذات الجمعية لهذه الجماعة أو تلك . لكنها في الوقت نفسه ذاتية غير أنانية ومتناغمة ومتكاملة مع الذات الجمعية من خلال الالتزام الأخلاقي والنضالي بقضايا الأمة والوطن والإنسان .
هناك ثوابت كثيرة لا يسمح المجال للدخول في تفاصيلها . لكنها جميعها يجب ألا تكون تقليداً لأية حداثة أخرى، إذ إننا نتحدث عن ولوج حداثة عربية تنبثق من حاجات المجتمعات العربية وتحاول حل إشكاليات عربية في هذا الزمان العربي وفي هذا المكان العربي .
ولأن تغيير الأفكار والعادات والسلوكات الخاطئة والقناعات المعيقة للتقدم عملية كبيرة ومعقدة، فإن المسؤولية لا تقع على كاهل المفكرين والمثقفين فقط، إنها تحتاج إلى إنخراط مؤسسات مفصلية في عملية التجديد والتحديث، وعلى رأسها المدرسة والجامعة ومراكز البحوث ومختلف وسائل الإعلام والكثير الكثير من مؤسسات الثقافة بما فيها المسرح والسينما والغناء والرسم .
ولا تستطيع تلك المؤسسات القيام بمهمة الحداثة الفكرية والثقافية من دون أن تكون قد استوفت متطلبات الحداثة في ذاتها، أهدافاً وتنظيماً ووسائل .
هناك الكثير من مظاهر الحداثة المادية المبهرة في مجتمعات مجلس التعاون الخليجي، لكن هناك أيضاً الكثير من مظاهر الغياب شبه الكامل للحداثة العقلية التي من دونها ستتعثر كل الحداثات . ولوج تلك الحداثة ينتظر توفر الإرادة السياسية الرسمية والمجتمعية التي آن أن توجد قبل فوات فرصة زمن الثروة البترولية والغازية الهائلة .