عندما ارتفعت أسعار النفط بصورة مفاجئة بنسبة كبيرة بلغت 30% منذ بداية شهر فبراير الجاري ليتجاوز مزيج «برنت» حاجز 62 دولاراً للبرميل بداية الأسبوع الحالي، مقابل 47 دولاراً في شهر يناير الماضي، كنت أبحث عن تصريح أو تلميح من أصحاب نظرية المؤامرة يبرئ دول مجلس التعاون الخليجي من اتهاماتهم السابقة لها، بأنها تقف وراء انهيار الأسعار، إلا أنهم جميعاً، وفي مقدمتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني وإمام جمعة طهران الموتور أحمد خاتمي، اختفوا ولزموا الصمت المطبق.
ماذا أيها السادة.. هل قررت دول مجلس التعاون تحريك عصاها السحرية ورفع الأسعار من جديد؟ لم نسمع منكم ذلك، أم أن هناك عوامل فنية ومالية تتعلق بالسوق، بالإضافة إلى عوامل المضاربات المحمومة هي التي تحدد الأسعار ولا يستطيع أحد التحكم فيها، بمن فيهم أعضاء منظمة «أوبك» التي فقدت جزءاً كبيراً من تأثيرها وحصتها في سوق النفط العالمية.
لقد حددنا في مقالة الشهر الماضي أهم أسباب انهيار الأسعار ليأتي تقرير وكالة الطاقة الأميركية الذي صدر الأسبوع الماضي ليؤكد ما ذهبنا إليه، فالزيادة في الإنتاج التي ساهمت في انهيار الأسعار جاءت أولاً من الولايات المتحدة التي رفعت إنتاجها بصورة كبيرة في عام 2014 وبمقدار 1,6 مليون برميل يومياً، يليها العراق في المرتبة الثانية بمقدار 330 ألف برميل ومن ثم كندا والبرازيل بـ250 ألف برميل يومياً.
أما 60% من زيادة الإنتاج من داخل منظمة «أوبك» فقد جاءت من العراق وحده، إضافة إلى دول أخرى غير خليجية، علماً بأن العراق ينوي زيادة إنتاجه هذا العام وفق وزير النفط العراقي بنسبة كبيرة تبلغ 17,6% ليصل إلى 4 ملايين برميل يومياً، مقابل 3,4 مليون برميل في العام الماضي، ونقول لكم مقدماً إن ذلك سيشكل ضغوطاً إضافية على الأسعار، ونطلب منكم الحذر في تصريحاتكم القادمة حول نظرية المؤامرة.
وللعلم، فإن أسعار النفط ستتذبذب بصورة حادة في العام الجاري 2015 وربما تصل إلى مستويات متدنية أخرى، كما أشار بنك «سيتي غروب» الأميركي، وذلك قبل أن ترتفع مع نهاية العام وفق البنك نفسه، إذ إن هناك عوامل سلبية وأخرى إيجابية ستتجاذب وتؤثر في الأسعار.
وضمن العوامل السلبية، هناك زيادة الإنتاج من داخل وخارج منظمة «أوبك»، وكذلك تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، فبالإضافة إلى الأزمة المستمرة في منطقة «اليورو»، فإن هناك انخفاضاً في معدلات النمو في الصين والهند وبعض بلدان أميركا اللاتينية.
أما العوامل الإيجابية، فتكمن في إمكانية تقلص الزيادة من إنتاج النفط الصخري الأميركي، فالانهيار الأخير في الأسعار أغلق نسبة كبيرة من منصات إنتاج هذا النوع من النفط، كما أعلنت العديد من شركات النفط إفلاسها بسبب عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه البنوك ومؤسسات الإقراض، مما يعني توقفها عن الإنتاج.
وإذا ما أضيفت إلى ذلك العوامل الجيو- سياسية وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن هذه العوامل قد تدفع باتجاه ارتفاع الأسعار، وذلك على الرغم من أن العوامل السلبية والإيجابية ستتناوب في التأثير على الأسعار وسيغذيها كبار المضاربين لتحقيق أرباح كبيرة وسريعة.
نعم هناك مشكلات متشابكة ومعقدة تتقاذف أسعار النفط ارتفاعاً وهبوطاً وتتطلب معالجتها أو التخفيف من حدتها فهماً علمياً وموضوعياً بعيداً عن التهويل الإعلامي والتحريض الرخيص الذي لن يجدي نفعاً، ولن يساهم في تقديم حلول عملية، وذلك على العكس من مرونة التعامل والتعاون والتنسيق المشترك بين الأعضاء في منظمة «أوبك» من جهة، وهذه المنظمة والمنتجين من خارجها من جهة أخرى، وذلك هو الطريق الذي يخدم مصالح الجميع.