أحدث الأخبار
  • 12:30 . أكسيوس: ترامب وبّخ نتنياهو بألفاظ نابية بعد موافقة حماس... المزيد
  • 12:16 . من التاريخ دروس وعبر.. "الخيانة"... المزيد
  • 12:14 . ارتفاع عدد ضحايا انهيار مدرسة في إندونيسيا إلى 54 قتيلا... المزيد
  • 12:12 . السعودية تعلن إتاحة أداء العمرة من خلال جميع أنواع التأشيرات... المزيد
  • 12:02 . وزيرة التربية: المعلم حجر الأساس في تحقيق مستهدفات التنمية الوطنية... المزيد
  • 12:00 . مشاركة 100 مؤسسة من 16 دولة في معرض التعليم الدولي بالشارقة... المزيد
  • 11:59 . قطر وتركيا تبحثان تنفيذ خطة ترامب لوقف الحرب في غزة... المزيد
  • 11:25 . ترامب: المفاوضات حول صفقة غزة تحقق تقدماً كبيراً... المزيد
  • 11:17 . وفد حماس برئاسة الحية يصل مصر لبدء مفاوضات حول خطة ترامب... المزيد
  • 09:17 . ارتفاع حصيلة انهيار مدرسة في إندونيسيا إلى 45 قتيلا... المزيد
  • 09:02 . هطول أمطار غزيرة على عدة مدن إماراتية... المزيد
  • 08:51 . حماس تصر على إدراج مروان البرغوثي ضمن أي صفقة تبادل... المزيد
  • 08:34 . "أوبك بلاس" يعتزم زيادة إنتاجه بـ137 ألف برميل يوميا في نوفمبر... المزيد
  • 07:00 . أنور قرقاش: الإمارات ستضطلع في مستقبل غزة... المزيد
  • 01:24 . شركة قطرية تستحوذ على 27% من منطقة بحرية مصرية... المزيد
  • 01:20 . الإمارات ترحب مع دول عربية وإسلامية بخطوات حماس تجاه خطة ترامب... المزيد

من التاريخ دروس وعبر.. "الخيانة"

سعيد ناصر الطنيجي
سعيد ناصر الطنيجي – الإمارات 71 الكـاتب : الإمارات71
تاريخ الخبر: 06-10-2025

نتوقف في هذا المقال على ظاهرة الخيانة في تاريخ العرب والمسلمين. فالتاريخ –عَادَةً- لا يُحابِي أَحداً إذ يوثِّق الأحداث البطولية ويسَرْد سِيَر الأبطال، كما يوثِّق الهزائم والخيانات.

سجّل تاريخ العرب والمسلمين أحداثاً جساماً من الخِيَانَة لبعض سلاطين المسلمين لأمتهم وبلادهم ومقدساتهم بما في ذلك القدس نفسها، قبلة المسلمين الأولى وثالث الحرمين الشريفين. تمثلت –تلك الخيانات- حين قام هؤلاء الخونة بتسليم الأعداء مدناً إسلاميةً كاملةً أو الاصطفاف مع العدو والقتال معه ضد دولهم وأبناء أمتهم الإسلامية. في إطار صراع سياسي على السلطة والثروة بين هؤلاء الحكام الفاسدين والمسؤولين الطامحين. الذين يتكرر اليوم صراعاتهم تحت مسميات وأوصاف شتى، ومبررات مختلفة، ومُسوِّغاتٍ تَافِهَة. وهم الذين تحدث عنهم القرآن الكريم في قوله تعالى:

فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ. -المائدة (52)

وسنتحدث في الجزء الأول من المقال عن بعض خيانات السلاطين أو الأمراء أو القادة في فترة الحروب الصَّلِيبِيَّةُ (1096- 1291م)، وفترة الغَزْوُ المَغُوليِّ (1206-1400)، والملاحظ أن الخيانات تحدث في فترة ضَعَّف الدولة الإسلامية ومراكزها الحَضَرِية، التي تنبع من الانانية والفردية، وحظوظ الدنيا حيث النفوس خاوية الايمان. إِنَّ هَذِهِ النفوس الضعِّيفة عندما يكون صاحبها حاكماً على إمارةٍ، أو أميراً، أو قائداً، فإنه يكون أحرص ما يكون على التمسك بمنصبه بِأَيِّ ثَمَنٍ حتى ولو بَاعَ دينه وقيمه أو خَانَ أُمَّتِه.

إن الأنانِيَّة والخيانة تأتي عندما يَكُون المسؤول السياسي أو القائد العسكري مُسْتعَدّ للتَنَازَل عن شيء مقابل "الكرسي، أو المال" مبرراً ومسوغاً لنفسه التعاون مع أعداء الأمة والتحالف معهم. وشواهد التاريخ على ذلك كثيرة ومتكررة في نَسَقٍ واحد وكَأَنَّ التاريخ يعيد نفسه.

فقد شَهِدَ الشرق الإسلامي، ولا سيما مصر وبلاد الشام، ظاهرة "خيانة عظمى" للأمّة والأوْطَان، خلال الحروب الصليبية التي استمرت على مدى 200 عام. هذه الفترة القاتمة في تاريخ المسلمين، لم تشهد فقط وطأة الغزو الخارجي وإنما كانت شاهداً على العديد من الخيانات التي أَدَّتْ إلى سُّقُوطِ بعض المناطق والمدن الإسلامية ذَاتُ الأهَمِّيَّة الكبيرة في يَدِ العَدُوِّ الصَّلِيبِيّ.

فالأمير الصَّلِيبِيّ "بلدوين الأول"، حين أراد احتلال مدينة سُمَيْساط (جنوبي تركيا) سُهِل عليه دخولها بخيانة من حاكمها المسلم السلجوقي حَينَ بَاعَ المدينة بعَشْرَة آلَافِ دينار ذهبي. أما "انطاكية" فقد سقطت بخيانة هي الاخرى وبعد حصار فرضه الصَّلِيبِيّون على المدينة ما يقارب تسعة أشهر، حيث استعصى على الصليبيين دخولها. ولكن أحد القادة الذي ائتمنه الأمير السلجوقي "ياغي سيان" على أحد القلاع المطِلة على المدينة قام بتسليمها للصليبيين مقابل مبلغ من المال وهكذا يتكرر مشهد الخيانة.

وفي مشهد آخر من أشهر مشاهد الخيانة الذي كاد يمكّن الصليبيين من مصر بعد وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله (1094) إذ اندلع صراع بين وزراء الدولة وكبارة القادة وبعض الولاة على السلطة، في ظل وهنّ وضعف الخلفاء. ومن أشهر تلك الصراعات التي اندلعت: صراع القائد العسكري "ضرغام بن عامر اللخمي" و"الوزير شاور بن مجير السعدي" حيث استطاع الأول السيطرة على منصب الوزارة الفاطميّة، فما كان من الثاني (الوزير شاور) إلا أن استعان بالصليبيين الذين وجدوها فرصة مُثلى لاحتلال مصر ودخلوها وعاثوا فيها فسادا لولا ان قيض الله "نور الدين زنكي" حين أرسل القائدين "اسد الدين شريكوه" و"صلاح الدين الايوبي" وتمكنا من طرد الصليبيين من مصر.

أما الكارثة العظمى التي حلت بالمسلمين فكانت حين سقطت بغداد على يد "هولاكو السفاح" عام (656هـ-1258م) الذي دمرَّ حاضرة العلوم والمعارف، وسالت الدماء أنهراً، فاختلط الحبر الأزرق مع الدم الأحمر القاني، فقارب القتلى مليون نَفْس، في واحدة من أعظم مصائب المسلمين عبر التاريخ الإسلامي. ولم تكن المدينة لتسقط لولا خيانات عديدة أدت لاجتياح المغول، أبرزها خيانة أمير الموصل "بدر الدين لؤلؤ" الذي أمد هولاكو بالجند والسلاح لحصار بغداد. والوزير مؤيد الدين بن العلقمي (وزير الخليفة) الشيعي الذي أجمع المؤرخون أنه راسل "هولاكو" وأَغْرَاه بغزوِ بغداد. لينال بذلك "لؤلؤ" و "العلقمي" أرفع أوسمة الخيانة مع ذلّ وخزيّ طوال التاريخ.

وبما أنّ بغداد سقطت بالخيانة فإنّ دمشق سقطت أيضاً في العام التالي؛ حيّن زيّن الوزير "زين الدين الحافظي" لحاكم دمشق تسليم المدينة للمغول دون قِتال –كان يعتقد الحافظي أن قِتال المغول سيكون دون جدوى- فسُلمت المدينة للمغول دون مقاومة.

وفيما يوضح التاريخ خيانة هؤلاء، فهو يشير لما لاقوه من جزاء يشملهم وعائلاتهم وأوطانهم التي اؤتمنوا عليها: عاش "العلقمي" ذليلاً مهاناً بعد سقوط بغداد، أما الوزير الدمشقي فكانت نهايته القَتل وعائلاته وأقاربه الذين كانوا نحو خمسين فرداً على يد هولاكو.

إن ما يقوم به خونة الأمة اليوم، هو إضافة رصيد جديد في تاريخ الخيانة، فالتاريخ يُدوّن عن الأبطال الشجعان والخونة الذين باعوا أوطانهم، فالتاريخ لا يرحم والأعداء يجازون الخونة بتعليق أوسمة الإذلال والمهانة.