بعد عدة سنوات من وضع الأمم المتحدة التحالف السعودي-الإماراتي في قائمة سوداء للمنظمة الدولية بسبب قتل وإصابة الأطفال في اليمن، قرر الأمين العام أنطونيو غوتيريش رفع التحالف من القائمة، بينما أبقى على الحكومة اليمينية، التي يحارب التحالف نيابة عنها، وجماعة الحوثي في نفس القائمة، فما قصة هذا القرار وما مبرراته؟
ما هي القائمة السوداء؟
القائمة السوداء التي يدور الحديث عنها اليوم تسمى أيضاً "قائمة العار" وهي تضم الدول والميليشيات التي تتسبب في مقتل وإصابة الأطفال تحديداً في مناطق الحروب والصراعات المسلحة، وكانت الأمم الأمم المتحدة قد أدرجت التحالف بقيادة السعودية الذي يحارب في اليمن على تلك القائمة في أكتوبر 2017، بعد أن رصد تقرير أممي تسبب التحالف السعودي-الإماراتي في مقتل وإصابة 683 طفلاً و38 هجوماً على مدارس ومستشفيات خلال عام 2016.
القائمة نفسها يوجد بها جماعة الحوثيين وتنظيم القاعدة في اليمن، إضافة إلى القوات الحكومية ومجموعات مسلحة تابعة لها، وهي القوات التي تحارب إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية، وخلال عام 2016 أيضاً، ذكر التقرير الأممي أن الحوثيين والقوات المتحالفة معهم مسؤولون عن مقتل وإصابة 414 طفلاً.
لماذا تم رفع التحالف السعودي-الإماراتي من القائمة؟
قام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش باستبعاد التحالف الذي تقوده السعودية من القائمة السوداء، وفي تقريره السنوي لمجلس الأمن قال غوتيريش إن التحالف "سيُحذف من القائمة الخاصة بقتل وتشويه (الأطفال) في أعقاب تراجع كبير في القتل والتشويه بسبب الضربات الجوية" وتطبيق إجراءات استهدفت حماية الأطفال.
اللافت هنا أن غوتيريش قال إن التحالف السعودي-الإماراتي قتل وأصاب 222 طفلاً في اليمن العام الماضي، بينما تتحمل قوات الحكومة اليمنية المسؤولية عن قتل وإصابة 96 طفلاً، ورغم ذلك ظلت القوات الحكومية ضمن "قائمة العار" – رغم أن التحالف يحارب دعماً لها – كما ظل الحوثيون ضمن القائمة أيضاً بعد أن رصد التقرير مسؤوليتهم عن قتل وإصابة 313 طفلاً العام الماضي.
ورغم أن غوتيريش أضاف أن التحالف سيخضع لعام واحد من المراقبة وأن "أي فشل" في خفض عدد الضحايا من الأطفال سيؤدي إلى إدراجه مرة أخرى العام المقبل، إلا أن قراره حذف التحالف السعودي-الإماراتي من القائمة قد أثار انتقادات عنيفة من جانب منظمات حماية وحقوق الأطفال في مناطق الصراعات.
"عار إضافي لقائمة العار"
جو بيكر، مديرة قسم حقوق الأطفال في مؤسسة هيومن رايتس ووتش، أصدرت بياناً صحفياً انتقدت فيه غوتيريش بعنف قائلة: "يضيف الأمين العام مستوى جديداً من العار إلى 'قائمة العار' بإزالة التحالف الذي تقوده السعودية وتجاهل أدلة الأمم المتحدة نفسها على استمرار الانتهاكات الجسيمة بحق الأطفال".
كما علقت أدريان لابار مديرة منظمة قائمة المراقبة بشأن الأطفال والصراع المسلح وهي جماعية حقوقية دولية، على قرار غوتيريش بالقول إن الأمين العام "يرسل رسالة مفادها أن الأقوياء يمكنهم الإفلات بجريمة قتل الأطفال"، مطالبة بتقييم مستقل وشفاف لعملية رفع التحالف من القائمة "حتى نضمن أن المتورطين في قتل الأطفال يتحملون المسؤولية بغض النظر عن علاقاتهم وإمكانياتهم".
الواقع أن الأمين العام للأمم المتحدة تعرض بشكل مباشر إلى اتهامات مبطنة بتلقي "رشاو" أو التعرض لضغوط من السعودية والإمارات كي يقدم على رفع التحالف من القائمة السوداء في تناقض واضح مع مخرجات التقرير الأممي الذي قدمه لمجلس الأمن، فبحسبة رقمية بحتة التحالف مسؤول عن قتل وإصابة عدد أكبر من الأطفال، بإضافة 212 إلى 96 (المسؤول عنها القوات الحكومية)، مقارنة بما تم رصده من جانب الحوثيين، وبالتالي لا يوجد مبرر لرفع التحالف من "قائمة العار" والإبقاء على القوات الحكومية (هي جزء من التحالف بطبيعة الحال).
وقد وجدت فيرجينيا غامبا الممثل الخاص للأمم المتحدة للأطفال في الصراعات المسلحة نفسها في موقف حرج في مواجهة الصحفيين بعد قرار غوتيريش، فأشارت إلى أن الضربات الجوية للتحالف السعودي-الإماراتي تسبب قبل 5 سنوات في مقتل وإصابة 1700 طفل في اليمن، وأن ذلك العدد تراجع إلى 171 قتلاً وإصابة لأطفال بسبب الضربات الجوية فقط العام الماضي، وأعادت التأكيد أن رفع التحالف من القائمة مرتبط بشرط عدم وقوع أي ضحايا بين الأطفال هذا العام 2020 وإلا ستتم إعادة التحالف مرة أخرى للقائمة.
وردت غامبا على سؤال مباشر حول إذا ما كانت السعودية قدمت للأمم المتحدة "حوافز من أي نوع" مقابل رفع اسم المملكة وتحالفها من قائمة العار، قالت غامبا: "بالقطع لا".
ما تأثير القائمة السوداء؟
هذه الضجة المثارة حول القائمة السوداء أو قائمة العار يطرح تساؤلاً بشأن التبعات التي تترتب على الدول التي يتم إدراجها في تلك القائمة، فالقصة هنا تتبع الأمم المتحدة وهناك رصد وتقرير سنوي يتم رفعه لمجلس الأمن الدولي، فهل يعني ذلك معاقبة تلك الدول بأي صورة فعلية؟
قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال من المهم ذكر أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون كان قد أضاف التحالف السعودي-الإماراتي للقائمة السوداء عام 2016 لفترة وجيزة قبل أن يستبعد التحالف من القائمة ويضعه قيد المراجعة (نفس قرار غوتيريش أمس)، ووقتها اتهم بان كي مون السعودية علانية بأنها مارست ضغوطاً "غير مقبولة" ولا داعي لها، بعد أن قالت مصادر لرويترز إن الرياض هددت بقطع أو تقليص تمويل الأمم المتحدة، ونفت السعودية وقتها اتهامات الأمين العام.
السعودية أيضاً تنفي قتل أو إصابة الأطفال في اليمن، رغم أن تلك القائمة لا تضم سوى الدول أو الجماعات بسبب قتل الأطفال أو إصابتهم أو استغلالهم أو خطفهم أو تجنيدهم أو منع وصول المساعدة لهم أو استهداف المدارس والمستشفيات.
وبالعودة للسؤال الخاص بتبعات الإدراج على قائمة العار، نجد أن تقرير الأمم المتحدة لا تترتب عليه إجراءات حيال الأطراف المدرجة على القائمة، لكنه يلحق الخزي بأطراف الصراعات على أمل دفعها إلى تنفيذ إجراءات لحماية الأطفال، ولطالما أثارت القائمة الجدل، إذ يقول دبلوماسيون إن السعودية وإسرائيل مارستا ضغوطا في السنوات الأخيرة في محاولة للبقاء خارج القائمة، وفق "عربي بوست".