أحدث الأخبار
  • 01:22 . "رويترز": لقاء مرتقب بين قائد الجيش الباكستاني وترامب بشأن غزة... المزيد
  • 01:06 . فوز البروفيسور ماجد شرقي بجائزة "نوابغ العرب" عن فئة العلوم الطبيعية... المزيد
  • 12:53 . اعتماد تعديل سن القبول برياض الأطفال والصف الأول بدءًا من العام الدراسي المقبل... المزيد
  • 12:52 . بين التنظيم القانوني والاعتراض المجتمعي.. جدل في الإمارات حول القمار... المزيد
  • 12:05 . ترامب يوسّع حظر السفر إلى أمريكا ليشمل ست دول إضافية بينها فلسطين وسوريا... المزيد
  • 11:59 . السعودية تدشّن تعويم أول سفن مشروع "طويق" القتالية في الولايات المتحدة... المزيد
  • 11:53 . محكمة كويتية تحيل ملف وزير الدفاع الأسبق للخبراء... المزيد
  • 12:45 . ميدل إيست آي: هل يمكن كبح "إسرائيل" والإمارات عن تأجيج الفوضى في المنطقة عام 2026؟... المزيد
  • 12:40 . أمطار غزيرة تغرق مستشفى الشفاء وآلافا من خيام النازحين في غزة... المزيد
  • 11:59 . طهران ترفض مطالب الإمارات بشأن الجزر المحتلة وتؤكد أنها تحت سيادتها... المزيد
  • 11:30 . ترامب: 59 دولة ترغب بالانضمام لقوة الاستقرار في غزة... المزيد
  • 11:29 . الإمارات تدين الهجوم على مقر للقوات الأممية بالسودان... المزيد
  • 01:04 . مرسوم أميري بإنشاء جامعة الفنون في الشارقة... المزيد
  • 12:14 . "الأبيض" يسقط أمام المغرب ويواجه السعودية على برونزية كأس العرب... المزيد
  • 09:21 . غرق مئات من خيام النازحين وسط تجدد الأمطار الغزيرة على غزة... المزيد
  • 07:15 . روسيا تهاجم سفينة مملوكة لشركة إماراتية في البحر الأسود بطائرة مسيرة... المزيد

جدلية التفتيت والجمع في بلاد العرب

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 29-02-2020

في الآونة الأخيرة صعدت أصوات البعض من المنادين بأن يقصر الفرد العربي اهتماماته على الدولة القطرية الوطنية، التي يعيش فيها، وأن يبعد نفسه عن الاهتمام الملتزم، بكل تبعاته وتعقيداته، بما يجري في وطنه العربي الكبير. وبالطبع فإن تلك الأصوات، بقصد أو من دون قصد، تتناغم وتتعاضد مع أهداف تاريخية وحالية لبعض الدوائر الاستعمارية الغربية والصهيونية، التي تسعى لإخراج الهوية العروبية الموحدة للأمة، ومن ثم المشروع الوحدوي العربي، من ذاكرة وعقل ووجدان كل إنسان عربي، وعلى الأخص شابات وشباب الأمة.
إن هذه الأصوات تردد ليل نهار، أن لكل قطر عربي خصوصياته التاريخية والسلوكية واللغوية، التي تميزه عن بقية الأقطار العربية، وأن وضع التقسيم الحالي للوطن العربي إلى دول مستقلة، بذاتية خاصة، أصبح جزءا من الواقع العربي لا يمكن تبديله، وبالتالي من الحصافة قبوله، وأنه نتيجة لذلك أصبحت لكل قطر مصالحه والتزاماته وارتباطاته وآماله وأنظمته السياسية الخاصة به.
وبالطبع ما كان لتلك الأصوات أن تعلو لولا الوضع المأساوي التمزيقي الحالي، الذي تعيشه أجزاء كبيرة من الوطن العربي، ولولا الصعود الكبير للنفوذين الصهيوني والأمريكي في بعض الأقطار العربية. لكن ما لا تعيه تلك الأصوات النشاز الغاضبة، بل ما تحاول أن تخفيه عن مدارك ووعي الإنسان العربي العادي، هو أن فقدان السياسة العربية المشتركة الجامعة، وغياب الالتزامات القومية التضامنية، في ما بين الأقطار العربية، قد أدى إلى انكشاف وضعف وعدم كفاءة السياسة القطرية المستقلة. وها نحن اليوم نرى كيف أصبحت السياسات القطرية، المبتعدة عن محيطها العربي القومي، لعبة في يد قوى استعمارية ـ صهيونية متآمرة وقوى إقليمية طامعة.
والنتيجة أن العديد من الأقطار العربية تغرق، وتكاد تموت، من جراء الهجمات الخارجية الممنهجة عليها، خصوصا بعد أن وجدت تلك الجهات الخارجية في منظومات الجهاد الإسلامي التكفيرية العنفية المجنونة، أدوات جاهزة لتنفيذ كل مخططاتها تجاه كل قطر على حدة…. ومع الأسف فإذ تغرق تلك الأقطار، فإنها لا تجد يدا عربية واحدة، فردية أو مشتركة، تمتد لإنقاذها. ولو أن تلك الأصوات المنكفئة قطريا على نفسها، والداعية إلى الخلاص القطري، أمعنت النظر، بهدوء ورزانة، في الصورة الحالية للوطن العربي كله، لأدركت كم أن غياب القومي قد أنهك وأضر وأمات القطري الوطني في كل الساحات. دعنا هنا نستحضر لانتباه تلك الأصوات ما كتبه في عام 1992، في جريدة «واشنطن بوست»، أحد كبار الصحافيين الأمريكيين، وهو جيم هو غلند قائلا: «كان تفسيخ السياسات العربية وتجزأتها إلى نتف ( Atomizing Arab Politics) هدفا أساسيا من أهداف كبار مخططي وزارة الخارجية الأمريكية لعملية عاصفة الصحراء».

غياب الالتزامات القومية التضامنية، بين الأقطار العربية، أدى إلى انكشاف وضعف وعدم كفاءة السياسة القطرية المستقلة

بالنسبة لأمريكا، وبالطبع الكيان الصهيوني، يجب أن لا توجد قضايا عربية سياسية مشتركة، وأن تحل محل ذلك قضايا سياسية تحت مسميات مصرية ومغربية وكويتية وسورية إلخ. دعنا أيضا نستحضر لهذه الأصوات تاريخ محاربة الاستعمار الغربي في طول وعرض بلاد العرب. هل كان باستطاعة الكثير من الأقطار العربية المستعمرة نيل استقلالها، لو لم تحصل حركاتها الوطنية على أنواع لا تحصى من الدعم والمساندة من شقيقاتها الأقطار العربية الأخرى؟ وهذا ينطبق على الأخص على أقطار الخليج العربي، في مقاومتها للاستعمار البريطاني، وهي مع الأسف الأقطار التي تعلو في بعضها تلك الأصوات النشاز، المعارضة لكل توجه قومي تضامني وحدوي في حل قضاياها وقضايا غيرها.
لا يقتصر الأمر على حقل السياسة، فحقل الاقتصاد والتنمية يطاله هو الآخر رذاذ ذلك التوجه العجيب. فما أن يتكلم أحد عن أهمية التنسيق والتضامن والتوحيد العربي في حقل التنمية الإنسانية، والاقتصاد الإنتاجي، والانتقال إلى عصر المعرفة والتكنولوجيا، حتى تنبري تلك الأصوات بوصف تلك المحاولات بالأحلام الطفولية المستندة إلى أوهام أيديولوجية، وينسى هؤلاء أن محاولات التنمية الإنسانية الشاملة قد فشلت فشلا ذريعا في كل قطر عربي حاول أن يقوم بها لوحده وضمن إمكانياته.
وهذا موضوع كبير، كتبت عنه الكتب التي خرجت جميعها بالاستنتاج المنطقي بأهمية خطوات التنسيق والتعاون والتوحيد العربي في حقول الاقتصاد والمعرفة والتكنولوجيا وغيرها. ومرة أخرى ترفع تلك الأصوات في وجوهنا مقولة إن هذا العصر هو عصر عولمة، وتتجاهل ما فعلته العولمة النيوليبرالية، المتبناة من قبل كل الأقطار العربية، بالمجتمعات العربية، من عرقلة الانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي، ومن فقدان كل استقلال في القرارات الاقتصادية، وتحكم من قبل المؤسسات المالية العولمية، ومن ازدياد في الفقر، واتساع في الهوة بين الفقراء والأغنياء، ومن تراجع مذهل في حجم الطبقة الوسطى، ومن ازدياد في معدلات البطالة، إلخ، إلخ..
من حقنا أن نسأل: ألا يستطيع مفكرو ومثقفو وسياسيو هذه الأمة ان يتجنبوا ممارسة التطرف والحدية في كل ما يطرحونه من أفكار ومواقف، ويتعاملوا مع قضاياهم ومستقبلهم بهدوء وموضوعية ورزانة، تبعدهم عن الغوغائية المبتذلة في بعض ما يقولونه أو يكتبونه؟