تساءل الكاتب في مجلة “أويل برايس” فاناند ميلكستيان عن الحصار المفروض على دولة قطر وإن اقتربت نهايته.
وقال إن احتياطات الطاقة الهائلة في الشرق الأوسط جعلته مركزا لعددا من الأحداث الجيوسياسية على مدار التاريخ. وفي ظل الرئيس دونالد ترامب فقد حول الديناميات بالمنطقة إلى “تحويل السياسة الخارجية الأمريكية إلى عالم المقاولات” وكجزء من خطة ترامب.
فقد انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، وفي الوقت نفسه شجعت حلفاءها مثل السعودية وإسرائيل على لعب دور في احتواء إيران. إلا أن الرياض فسرت موافقة واشنطن على أنها صك أبيض للتعامل مع قضايا إشكالية لا علاقة لها بموضوع احتواء إيران مثل سياسة قطر الخارجية المستقلة. وأضاف الكاتب أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الطموح هو مسؤول عن عدد من المغامرات غير المحسوبة التي كلفت بلده أموالا وأثرت على سمعتها. ولم يكن توقيت هذه الخطوات المتعثرة أسوأ للسعودية في الوقت الذي تحاول فيه تحديث الاقتصاد من خلال الحصول على أموال عبر طرح جزء من أسهم شركة أرامكو.
ويضيف أن تدني ثقة المستثمرين جاء بسبب الوضع السياسي غير المستقر. ففي حزيران (يونيو) 2017 فرضت السعودية مع البحرين والإمارات ومصر حصارا بريا وبحريا على قطر. وكان الطرد الفعلي للدولة الصغيرة من مجلس التعاون الخليجي هو محاولة لعزلها دبلوماسيا وزيادة الثمن المالي عليها حتى تقبل بالشروط التي فرضها الرباعي. وفي قلب الحصار الذي فرضه الرباعي هو رفض للسياسة الخارجية المستقلة للدوحة ودعمها لحركة الإخوان المسلمين وإصرار هذه الدول على إغلاق قناة الجزيرة. وبدلا من الرضوخ لهذه المطالب قوت الدوحة تحالفها العسكري مع تركيا وحسنت من علاقاتها السياسية مع إيران، وبحثت عن مصادر بديلة لاستيراد المواد الأساسية. ومع أن الحصار كان يهدف لدفع قطر إلى مراجعة سياستها الخارجية فما حدث هو العكس. فقد أصبح الثمن المالي والسياسي غير قابل للاستمرار، خاصة بالنسبة للسعودية والإمارات اللتين تعيشان مأزقا بسبب الحرب في اليمن.
وما قصد منها أن تكون حملة سريعة ضد الحوثيين وطردهم من جنوب اليمن، تحولت إلى مستنقع وأنتجت أسوأ كارثة إنسانية. وأكثر من هذا فانخفاض أسعار النفط أدى إلى تراجع الموارد حيث تعاني الميزانية من عجز مستمر. وتعتمد الرياض بالتحديد على تصدير النفط، مع أن سعر النفط يؤثر على نجاح طرح أسهم أرامكو في السوق العام. ومع أن الاقتصاد الإماراتي أكثر تنوعا إلا أن تراجع مناخ الاستثمار ترك أثره على مالية البلد. ولا تحتاج قطر التي لا تنتج إلا كميات قليلة من النفط للخوف من تدني أسعار بضاعة النفط، وتعتبر في الوقت نفسه ثاني مصدر في العالم للغاز الطبيعي المسال. وسيزيد إنتاج البلاد من الغاز نتيجة خطط الاستثمار. وتنتج قطر 77 مليون متر مكعب في العام من الغاز الطبيعي المسال والذي سيزيد إلى 126 مليون متر مكعب في عام 2027 مما سيجعلها أكبر منتج للغاز المسال في العالم.
ولدى الغاز الطبيعي ميزة من ناحية أنه “جسر وقود” خلال عملية التحول التي يتم فيها النظر للنفط والمنافسة من السيارات الكهربائية. ولهذا فوضع قطر من الناحية الاقتصادية أفضل من منافسيها. وكان المجلس الخليجي قد عقد قمته في الرياض حيث أرسلت قطر رئيس وزرائها، في وقت تكهن فيه البعض بحل للأزمة. فقد دعا الملك سلمان بن عبد العزيز الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لحضور القمة رغم عدم وجود أي نية لإنهاء الحصار. وقد تكون قطر الرابح الأكبر من التقارب لأنها لن تتخلى عن سياستها الخارجية. ويعيش اقتصادها حالة صحية جيدة، وموقعها على المسرح الدولي قوي حيث ستستضيف مباريات كأس العالم 2022. ويمنع الدعم العسكري الأمريكي للسعودية والدعم التركي لقطر أي عملية عسكرية.
ويختم الكاتب بالقول إن إستراتيجية الحصار فشلت بشكل واضح. وربما منحت قطر مخرجا يحمي ماء الوجه مثل تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي اتفق عليها سابقا مجلس التعاون الخليجي. وهذا ثمن صغير ستدفعه قطر مقابل رفع الحصار عنها دونما الاستجابة لأي من المطالب التي فرضت عليها. وتكشف السعودية مرة ثانية أنها تفتقد للقدرة العسكرية والسياسية والإستراتيجية لكي تقود العالم العربي.