في بداية شهر رمضان المبارك، أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف باسم «داعش» في تسجيل صوتي منسوب إلى التنظيم ونشر على الإنترنت، قيام ما سماه «الخلافة الإسلامية»! وأعلن تغيير اسمه من «الدولة الإسلامية في العراق والشام» إلى «الدولة الإسلامية» فقط، وأن زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي هو «أمير للمسلمين في كل مكان»! ولكن هل يمكن أن يشكل إعلان «الخلافة الإسلامية» و«البيعة» بداية نهاية تنظيم «داعش»؟كان إعلان «داعش» عن إقامة ما سماه «الخلافة الإسلامية» خطوة متهورة للتنظيم في ظل ما حققه مؤخراً على الأرض في كل من العراق وسوريا، ومن شأن ذلك أن يغير من التحالفات التي يستند إليه «داعش» وتعود إليها حالته الراهنة، خاصة بعد أن أمر التنظيم الجماعات المسلحة السنية المتحالفة معه بأداء قسم الولاء لـ«أمير المسلمين» البغدادي وإلقاء السلاح، ما أثار امتعاض الجماعات السنية، خاصة أن هيئة العلماء المسلمين في العراق قد أكدت أن إعلان قيام «دولة» أو «إمارة إسلامية» أو غير إسلامية في ظل هذه الظروف لا يصب في صالح العراق ووحدته، حيث نصحت بالتراجع، إذ قد يعد ذلك ذريعة لتقسيم البلد. أما من ناحية التنظيمات «الجهادية»، فإعلان «داعش» لما سمته «دولة الخلافة الإسلامية» من شأنه أن يزيد من حدة الخلافات المتأصلة من الأساس بين «داعش» و«جبهة النصرة» وكذلك التنظيمات المقربة من «القاعدة»، حيث سبق أن أعلن التنظيم عن قيام «دولة العراق الإسلامية» عام 2006، ما أدى إلى نهاية التحالف مع تنظيم «القاعدة» في العراق.. والسؤال الآن إلى متى سيستمر التعاون بين العشائر السنية و«داعش»؟

في الحقيقة أن إعلان «داعش» عن نواياه الحقيقية وطموحاته السياسية الخيالية في إقامة دولة «الخلافة الإسلامية» وفق منهج أخرق سيجعل حلفاءه الحاليين في مناطق العشائر السنية في العراق، وبقايا البعثيين والعسكريين الذين تحالفوا مع «داعش» ضد قوات المالكي في العراق، يعيدون النظر في التحالف برمته بعد أن أظهر إعلان «داعش» الأخير التباين الحاد بين الأهداف السياسية للعشائر السنية أو بقايا البعثيين أو العسكريين ومن انضموا تحت رايات «داعش» السوداء كرهاً في سياسات المالكي وبين الأهداف طويلة المدى لتنظيم «داعش»، وهو ما من شأنه أن يدفع دول المنطقة إلى مواجهة خطر ما يسمى بـ«دولة الخلافة»، خاصة بعد أن نشر التنظيم خريطة لدولة «الخلافة الإسلامية» المزعومة التي يسعى للسيطرة عليها، ويمتد وهْم «دولة الخلافة» لتشمل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجزءاً كبيراً من غرب آسيا، وأجزاء من أوروبا، من بينها إسبانيا التي أشارت إليها الخريطة باسم الأندلس. فمن دولة وهمية في العراق والشام، توسعت أوهام التنظيم لخلافة وهمية تحت رايات سوداء وأوهام تتجاوز الجغرافيا السياسية، فالإعلان عن قيام «الخلافة الإسلامية» لن يغير الحقائق السياسية، فدول الجوار الجغرافي ترفض «داعش» تنظيماً ودولة! والنظام الدولي المعاصر يرفض العبث بخرائط ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتلك حقيقة أشك في أن حتى الواهمين في الخلافة «الداعشية» يجهلونها.

 إعلان «داعش» عن قيام دولة «الخلافة الإسلامية» ما هو إلا دعاية سياسية خرقاء، وما خريطة الخلافة إلا كوميديا سوداء، قد تدخل آذان بعض السذج، وقد يجذب أوهام «الخلافة الاسلامية»، والخطر المتفاقم لداعش بعض التنظيمات «الجهادية» المتطرفة وبعض الهاربين من الواقع، ولكنها بالتأكيد ستدق إسفيناً بين تنظيم «داعش» وحلفائه الآخرين، وستتعمق معها الانقسامات مؤذنة بنهاية «داعش» وأوهام «الخلافة» معاً.