هل ستمضي روسيا والسعودية في تحسين علاقاتهما أم أن زيارة العاهل السعودي الأخيرة لموسكو مجرد عرض وتلاق آني في المصالح؟ تجيب الباحثة آنا بورشفسكايا، الزميلة الباحثة بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن القمة الروسية- السعودية هي خطوة أخرى على صعيد تحسن العلاقات بين البلدين. فزيارة الملك سلمان بن عبد العزيز في الخامس من الشهر الحالي كانت معلما مهما باعتباره أول ملك سعودي يزور روسيا.
وقد وجه الرئيس فلاديمير بوتين الدعوة له قبل عامين. وبعد القمة وقع الملك والرئيس سلسلة من الصفقات منها شراء نظام أس- 400 الصاروخي بشكل يجعلها ثاني حليف للولايات المتحدة تشتري النظام الدفاعي الجوي بعد تركيا.
وتشير لزيارة الأمير محمد بن سلمان في حزيران (يونيو) 2015 روسيا للمشاركة في منتدى سانت بطرسبرغ الإقتصادي والتقى خلالها ببوتين. وبعد شهر قررت السعودية استثمار 10 مليارات دولار في روسيا وهو ما اعتبر أكبر استثمار أجنبي في البلد. وتعتبر الزيارة في ظل وقوف البلدين على جانبي النزاع في أثناء الحرب الباردة مهمة وسواء استمر التقارب أم لا فهو غير واضح وما هو مهم هو أن تأثير بوتين في المنطقة في ارتفاع مستمر.
وتقدم الباحثة هنا صورة عن الخلاف بالمواقف منذ نشوء السعودية عام 1932 حيث وقف البلدان على الجانب المضاد في كل مشكلة مرت على الشرق الأوسط. وخلال كل هذا فهمت موسكو أهمية الرياض وحاولت في بعض المرات إضعاف علاقتها مع الغرب. وعندما فشل الإتحاد السوفييتي جذب المملكة وعقد علاقات مع إبن سعود قرر جوزيف ستالين سحب البعثة الدبلوماسية من المملكة عام 1938.
وحاولت موسكو بعد وفاته عام 1953 من جديد ولم تنجح بإغراء السعودية. ومع اندلاع الحرب الأهلية اليمنية في عام 1961 وقف الطرفان على الجانب الآخر من النزاع واستمرا فيما بعد بالتنافس على التأثير في بلدان مثل عمان واليمن الجنوبي. وبدت العلاقات في طريقها للتحسن بعد حرب عام 1973 وأزمة النفط المعروفة إلا أن العلاقات ساءت بعد غزو السوفييت لأفغانستان ودعم الرياض للمجاهدين الأفغان الذي أسهم بهزيمة موسكو.
ولم تتحسن العلاقات إلا عام 1990 بعد عامين من الإنسحاب الروسي من افغانستان حيث اعيدت العلاقات الدبلوماسية ورغم عرض الرياض 2.5 مليار دولار مساعدة لروسيا إلا أن الأخيرة لامت السعودية على التحكم بأسعار النفط الذي أثر على نموها الإقتصادي. ولامتها أيضا على دعم الإنفصاليين الشيشان والجماعات الإسلامية بوسط آسيا.
وعبرت السعودية من جانبها عن إحباط من استمرار روسيا بيع السلاح لمنافستها إيران. وعندما وصل بوتين للسلطة عام 2000 جعل من إعادة القوة الروسية للشرق الأوسط هدفه. وكان أول رئيس روسي يزور الرياض عام 2007 وحاول استغلال الغزو الأمريكي للعراق ودعم واشنطن للشيعة لتحسين العلاقات مع السعودية لكنها توقفت بسبب اندلاع الحرب في سوريا عام 2011.
صفحة جديدة
وفي ضوء هذا التاريخ من غياب الثقة المتبادلة فمن المهم النظر للمحاولة الجديدة لتحسين العلاقات الثنائية. فمن ناحية روسيا يعرف بوتين البراغماتي أن اقتصاد بلاده الراكد بحاجة للإستثمارات الأجنبية والمال السعودي مهم. وهناك التعاون في مجال النفط حيث وافقت روسيا ومنظمة أوبك العام الماضي على خفض انتاج النفط بحيث رفع سعر البرميل إلى 50 دولارا وهو أقل مما تحتاجه الميزانية 100 دولار للبرميل.
إلا أن التعاون أسهم ببناء الثقة بين البلدين. وفي ظل الدبلوماسية النشطة التي يقوم بها بوتين ومحاولته إبعاد أمريكا عن حلفائها فالعلاقة مع السعودية تقدم توازنا لعلاقاته مع إيران ودعمه لنظام بشار الأسد وعمله مع حزب الله. أما الرياض فموقفها مختلف، فقد سلمت أن الأسد لن يغادر السلطة. بالإضافة إلى أن دونالد ترامب مثل سلفه باراك أوباما سلما القيادة لروسيا في سوريا.
ومن هنا تجد الرياض نفسها تتعامل شاءت أم أبت مع موسكو في كل ما يتعلق به. وتأمل السعودية عبر تقديم الدعم الإقتصادي بإبعاد موسكو عن إيران. كما تبحث عن مساعدتها في اليمن الذي تخوض فيه حربا بالوكالة مع إيران.
خيبة
وتتوقع الكاتبة أن تنتهي آمال السعودية هذه بالخيبة لأن بوتين لن يغير موقفه من إيران. صحيح أن هناك خلافات بينهما إلا ان المصلحة المشتركة وهي مواجهة التأثير الأمريكي بالمنطقة تأخذ الأولوية.
ومن هنا فالعلاقة مهمة لبوتين كي يتخلى عنها. ودق إسفين بينه وإيران يعتبر تحد كبير للسعودية. وبناء على تاريخ من غياب الثقة فمن الباكر الحديث عن تحول في العلاقات بينهما. ورغم قبول الرياض بموقع موسكو المؤثر في سوريا والمنطقة بشكل عام إلا أنها لن تغير من موقفها المعادي لإيران. وسيكون بوتين مسرورا بتلقي المال السعودي لكنه ليس مهما بدرجة تجعله يغير من سياساته التي خدمت المصلحة الروسية جيدا. ولا ينظر بوتين لإيران وتصديرها الثورة كتهديد وجودي كما يراها السعوديون.
بل على العكس فهو يتعامل مع إيران كورقة رابحة ضد أمريكا. وبالمحصلة لديه أوراق للمقايضة أكثر مما لدى الملك سلمان وابنه.