أحدث الأخبار
  • 01:22 . "رويترز": لقاء مرتقب بين قائد الجيش الباكستاني وترامب بشأن غزة... المزيد
  • 01:06 . فوز البروفيسور ماجد شرقي بجائزة "نوابغ العرب" عن فئة العلوم الطبيعية... المزيد
  • 12:53 . اعتماد تعديل سن القبول برياض الأطفال والصف الأول بدءًا من العام الدراسي المقبل... المزيد
  • 12:52 . بين التنظيم القانوني والاعتراض المجتمعي.. جدل في الإمارات حول القمار... المزيد
  • 12:05 . ترامب يوسّع حظر السفر إلى أمريكا ليشمل ست دول إضافية بينها فلسطين وسوريا... المزيد
  • 11:59 . السعودية تدشّن تعويم أول سفن مشروع "طويق" القتالية في الولايات المتحدة... المزيد
  • 11:53 . محكمة كويتية تحيل ملف وزير الدفاع الأسبق للخبراء... المزيد
  • 12:45 . ميدل إيست آي: هل يمكن كبح "إسرائيل" والإمارات عن تأجيج الفوضى في المنطقة عام 2026؟... المزيد
  • 12:40 . أمطار غزيرة تغرق مستشفى الشفاء وآلافا من خيام النازحين في غزة... المزيد
  • 11:59 . طهران ترفض مطالب الإمارات بشأن الجزر المحتلة وتؤكد أنها تحت سيادتها... المزيد
  • 11:30 . ترامب: 59 دولة ترغب بالانضمام لقوة الاستقرار في غزة... المزيد
  • 11:29 . الإمارات تدين الهجوم على مقر للقوات الأممية بالسودان... المزيد
  • 01:04 . مرسوم أميري بإنشاء جامعة الفنون في الشارقة... المزيد
  • 12:14 . "الأبيض" يسقط أمام المغرب ويواجه السعودية على برونزية كأس العرب... المزيد
  • 09:21 . غرق مئات من خيام النازحين وسط تجدد الأمطار الغزيرة على غزة... المزيد
  • 07:15 . روسيا تهاجم سفينة مملوكة لشركة إماراتية في البحر الأسود بطائرة مسيرة... المزيد

الأسد ونتانياهو في مقالة «عربية»!

الكـاتب : خالد الدخيل
تاريخ الخبر: 25-12-2016


هناك مقالة عن المحنة التي يمر بها الشعب السوري عقاباً له على ثورته الشعبية. لا نعرف من كتبها، ولا أين نشرت في الأصل. لا نعرف إلا أنها ظهرت في إحدى الصحف العربية، ومنها انتقلت إلى صحيفة عربية أخرى. هي مقالة قصيرة لا يتجاوز حجمها 400 كلمة، ولا تنطوي على أية أهمية سياسية أو فكرية. تكمن أهميتها في أمرين. الأول جرأة يحسد عليها كاتبها في الدفاع عن وحشية نظام سياسي عربي في التعامل مع معارضيه، إلى حد الاستعانة بالأجانب لسحقهم. الأمر الثاني هو إعادة نشرها في صحيفة «الشروق» المصرية يوم الجمعة الماضي تحت زاوية «صحافة عربية». ربما أن هدف «الشروق» هو التعريف بمثل هذا النوع من الأدبيات العربية الهابطة. وربما لسبب آخر لا نعرفه. بل ربما أنه لهذا السبب أو ذاك لم تذكر الصحيفة المصرية من أي صحيفة عربية نقلت هذه المقالة، ولا اسم كاتبها. مهما يكن الدافع وراء كل ذلك، فإن تقديم المقالة على هذا النحو يخلق مساحة بينها وبين القارئ بما يجعل من الممكن قراءتها والتعامل معها مباشرة، بمعزل عن معرفة كاتبها ومكان نشرها الأصلي. وبالتالي الاقتراب من حمولتها السياسية والأيديولوجية بشيء من الموضوعية.

عنوان المقالة - وهو طويل جداً - يختصر كل شيء تقريباً عن مضمونها ورسالتها. يقول: «عندما يتقدم نتانياهو بعرض لعلاج جرحى حلب ويصمت بعض العرب تواطؤاً وخذلاناً... إنها قمة المهانة». أول ما يلفت النظر في هذا العنوان وبقية المقالة، أنه يتحدث عن «جرحى حلب» فقط، وليس عن قتلاها، ولا عن جرحى سورية وقتلاها أيضاً الذين أصبح عددهم بالملايين. ولا عمن اختفى من السوريين في زنازين النظام، أو في قبور جماعية تنتظر من يكتشفها وينشرها للعالم. يشعر صاحب المقالة، كما يقول بـ «قمة المهانة» بأن، نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، هو من تقدم «بعرض لعلاج جرحى حلب»، في مقابل صمت «بعض العرب تواطؤاً وخذلاناً». هل صمت هؤلاء العرب فعلاً، ولم يقدموا أي مساعدة؟ لا أتوقع إجابة عادلة ومهنية من كاتب وصف في مقالته الأردن ولبنان بأنهما من «دول الجوار العربي»، وأنهما الدولتان الوحيدتان اللتان استقبلتا لاجئين سوريين. تجاهل بذلك تركيا عن عمد، كما تجاهل أو يجهل أن في السعودية وحدها من بين من يصفهم «ببعض العرب» أكثر من 2.5 مليون سوري، ولا يعاملون كلاجئين، بل كمقيمين. لنضع هذا جانباً ونسأل: لماذا اقتصر اهتمام الكاتب على «صمت بعض العرب»، وتجاهل صمت النظام السوري أمام هذه المأساة؟ أليس هو المعني قبل غيره برعاية مواطنيه، أو من يفترض أنهم كذلك؟ ثم من المسؤول عن سقوط هؤلاء الجرحى ابتداء؟ يمتلك صاحب المقالة جرأة يحسد عليها بتجاهل هذا السؤال. الأرجح أنه فعل ذلك لأنه يعرف يقيناً أن النظام السوري هو من اختار طواعية منهج العنف والقتل مع شعبه. ويعرف أن هذا النظام باستعانته بالروس والإيرانيين ومرتزقة الميليشيات، هو المسؤل الأول والأخير ليس فقط عن سقوط جرحى حلب، بل عن محنة السوريين برمتها. تجاهل صاحب المقالة كل ذلك يشير إلى أن شعوره بالمهانة والخذلان شعور مزيف لحرف الانتباه عن أصل الجرم وفصله.

يتبين الزيف من استحضار الكاتب نموذج تعامل الحكومة الإسرائيلية مع الفلسطينيين وهم تحت الاحتلال في مقابل تجاهله التام نموذج تعامل النظام السوري مع الشعب السوري الذي يفترض أنه ليس تحت الاحتلال. تعامل الحكومة الإسرائيلية مع الشعب الفلسطيني أقل ما يوصف به أنه جرم موصوف. لكن هل يختلف هذا عن نموذج النظام السوري في تعامله مع السوريين؟ كلاهما يستخدم العنف المفرط في وحشيته، ويطبق مبدأ العقوبة الجماعية على معارضيه بالأسلوب المتوحش ذاته. المفارقة أن إسرائيل تطبق نموذجها المتوحش على من تعتبرهم أعداءها الوجوديين من الشعب الفلسطيني. كيف يقدم صاحب المقالة هذه الحقيقة؟ يقول إن «نتانياهو الذي يترأس حكومة في دولة تحتل أراضي عربية .... قتلت وذبحت، ولا تزال تقتل وتذبح عشرات الآلاف، إن لم يكن مئات الآلاف من العرب والمسلمين...». إسرائيل بحكم تكوينها وطبيعتها مستعدة لقتل ما هو أكثر من مئات الآلاف من العرب والمسلمين. لكن ليس هناك ما يثبت أن ضحاياها وصلوا إلى هذا الرقم بعد أكثر من 60 سنة من الصراع. وحتى يثبت صاحب المقالة عكس ذلك بالأرقام، فإن ما قاله هنا هو نوع من المبالغة والكذب لأهداف سياسية في مكان آخر. في المقابل يتجاهل أنه في أقل من ست سنوات، وصل حجم ضحايا النظام السوري، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة وهيئات الإغاثة الدولية، إلى أكثر من نصف مليون قتيل، ومئات الآلاف من الجرحى والمغيبين، وملايين المهجرين، مضاف إلى ذلك تدمير أغلب المدن والقرى السورية. يهدف صاحب المقالة من ذلك إلى التمويه على تشابه النموذجين، وعلى مفارقة أن حجم الفرق بين ضحايا كل منهما لمصلحة إسرائيل. بل إن إسرائيل تطبق نموذجها المتوحش على من تعتبرهم أعداء وجوديين لها. أي أنها تنفذ سياسات وفقاً لما تعتبر أنه في مصلحة مواطنيها. أما النظام السوري فيطبق النموذج المتوحش ضد مواطنيه في شكل حصري، ولما يعتبر أنه في مصلحة بقاء الحاكم، ومصلحة حلفائه الروس والإيرانيين. وذلك في تعدٍ سافر على مصالح الشعب السوري وحقوقه.

إذا كان نتانياهو تقدم بعرض لعلاج جرحى حلب- من الواضح أنه عرض انتهازي- فإن الرئيس السوري بشار الأسد، لم يتقدم بأي عرض سوى الإصرار على تهجير أبناء حلب من جرحى وغيرهم عن مدينتهم استمراراً لسياسة التغيير الديموغرافي التي ينتهجها ترسيخاً لنموذج نظامه السياسي. الأنكى من ذلك أنه شبّه فعلته هذه بميلاد السيد المسيح (عليه السلام)، ونزول الوحي على النبي محمد (صلّى الله عليه وسلم). كم كان صاحب المقالة في غنى عن استحضار النموذج الإسرائيلي في سياق دفاعه عن النظام السوري. هذا أسلوب عرّته الأحداث في شكل مخجل. وكم كانت صحيفة «الشروق» في غنى عن نشر مقالة هابطة في مستواها، وغير نبيلة في هدفها.