خلال نوفمبر الماضي، تسربت أنباء عن وجود أعداد كبيرة من الفنيين العسكريين الروس على الأرض في برقة، بهدف إعادة تأهيل قوات اللواء خليفة حفتر، وتجديد منظومات السلاح، وتحسين الدفاعات البحرية والجوية.
الدعم العسكري الروسي لقوات حفتر، شَمِلَ كذلك إمدادتٍ مالية ولوجيستية، تمهيدًا لإعادة سيادته على البلاد، كي يكون ورقة رابحة لتحقيق مكاسب روسيا الاقتصادية والمالية في ليبيا، والتي كانت قد خسرتها مع سقوط القذافي، الصديق القديم لرئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين.
مستشارون عسكريون روس في ليبيا.. وشحنات سلاح لدعم قواته
تمثَّل الدعم العسكري الروسي لقوَّات اللواء خليفة حفتر في إرسال عدد قليل من الفنيين العسكريين الروس على الأرض الليبية في برقة، بهدف إعادة تأهيل قوات اللواء خليفة حفتر، وتجديد منظومات السلاح، وتحسين الدفاعات البحرية والجوية، فضلًا عن تمركز مستشارين عسكريين روس يقدمون المساعدة إلى حفتر انطلاقًا من برقة أو القاهرة.
يوضح هذا الأمر المتحدث العسكري باسم الجيش الليبي، أحمد المسماري بالتأكيد على «أنّ هناك وعودًا ليعود الدب الروسي لليبيا ولا سيما من خلال تفعيل عقود التسليح السابقة ومنها الاتفاق الموقَّع قبل عام 2011 وهو يقدر بأربعة مليارات و400 مليون دينار ليبي لتوريد أسلحة للجيش الليبي مرجِّحًا أن تورد موسكو الأسلحة لكن بشروط محددة، مؤكدًا أن موسكو تتمهل في عملية إمداد الجيش الليبي بالسلاح».
مظاهر الدعم الروسي ظهرت كذلك بدورها في حل أزمة السيول النقدية في المصارف التجارية وتسديد مرتَّبات موظفي الدولة، من خلال إدارة عمليَّة شحن أربعة مليارات دينار ليبي (2.9 مليارَي دولار) من غوزناك، المؤسسة الرسمية لسكّ العملة التابعة للكرملين.
وحسب حفتر – فالجانب الروسي يتفهَّم كثيرًا ما يدور في ليبيا، خاصة وأنّ روسيا هي أبرز الدول المناهضة للإرهاب. وهم يثمِّنون عاليًا حجم التضحيات التي قدمها الجيش الليبي من أجل استقرار ليبيا والإقليم المجاور لها.
يضيف في مقابلة له مع الوكالة الروسية أنّ «روسيا دولة عظمى أثبتت أنها جادّة في محاربة الإرهاب، ومن مزاياها أنها لا تمارس أسلوب الغطرسة في التعامل مع باقي الدول، ولا تتدخل في شؤونها الداخلية، والروس يدركون تمامًا أننا الجبهة الوحيدة التي تحارب الإرهاب دون رياء، وهي من أبرز الدول المناهضة للإرهاب بكافة أشكاله».
حفتر.. قائد عسكري تروضه روسيا لخدمتها
يُشكل خليفة حفتر نموذجًا للقائد العسكري المُفضَّل لروسيا، التي تُحقق من وراء بقائه في السلطة مصالحها الإستراتيجية. فالرجل الذي ينحدر من الجيش الليبي هو نموذج للقائد الذي يردّد خطابًا مناسبًا عن مكافحة التشدد الإسلامي والإرهاب، ويقف حجر عثرة أمام أي مطالب ديمقراطية، ويتماهى خطابه السياسي مع الديكتاتوريات العربية، وهي المواصفات التي تخدم روسيا في تعبيد الطريق أمامها كي تتحقق كافة أهدافها في المنطقة.
رهان روسيا على حفتر في المحافل الدولية، والدفاع عن شرعيته بوصفه حاكم ليبيا، ودعم التقدم الملموس الذي حققته قواته، إذ حظي بتأييد شعبي في المنطقة الشرقية، ونجحت قواته في الاستيلاء على المناطق النفطية الهامة كمرافئ سدرة، وراس لانوف، وبريقة، والزويتينة في الهلال النفطي.
تجلى ذلك الدعم أيضًا في اصطفاف حفتر إلى جانب البرلمان في طبرق الذي يبقى الهيئة التشريعية الشرعية في ليبيا، وتحقيق سيطرة لهما على مجموعة من المؤسسات، منها البنك المركزي في الشرق، الذي تصادم مع حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس.
الدعم الروسي لحفتر وقواته مُرشح للاستمرار على المدى البعيد، في ظل إستراتيجية روسيا المعلنة في دعم الديكتاتوريات العربية، وتماهي صورة حفتر القائد العسكري الذي يقدم نفسه وقواته كجيش نظامي منضبط بديلًا لفوضى الميليشيات و«المتطرفين» الذين روع كثير منهم الناس، وانخرط بعضهم في أعمال إجرامية، مع الإستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط.
تنكشف خصوصية الدعم الروسي لحفتر وقواته في الزيارتين الرسميتين له للأراضي الروسية، واجتماعه بالمسؤولين الكبار في روسيا من بينهم وزير الدفاع سيرجي شويجو، ووزير الخارجية سيرجي لافروف، إضافة إلى مجلس الأمن القومي الروسي. واحتفت وسائل الإعلام الروسية بهذه الزيارة، التي وصفتها بأنها رسالة واضحة بحجم الدور الروسي على الأراضي الليبية.
قواعد روسية وعقود بترول
تسعى السلطات الروسية لاستثمار نفوذها المتزايد في ليبيا، عن طريق دعم قوات حفتر لتعزيز نفوذها وزيادة قواعدها العسكرية، واستعادة العقود ذات القيمة المرتفعة في مجالات البترول والإنشاء، التي فقدتها من جراء سقوط الحُكم في ليبيا، وسيطرة الجماعات الدينية على أغلب مناطق البلاد.
تتجلى استعادة هذا النفوذ في سيطرة الحكومة الروسية على العقود المُربحة بقطاع الإنشاءات والميدان العسكري بليبيا، فضلًا عن إعادة إحياء الاتفاقيات العسكرية الموقعة بين الجانبين خلال عهد القذافي كاتفاقية صيانة المعدات العسكرية السوفيتية، وفق ما أكده المتحدث باسم القيادة العامة للقوات المسلحة في طبرق، العقيد أحمد المسماري.
إحياء النفوذ الروسي الذي كان حاضرًا خلال عهد القذافي، شَمِلَ كذلك السَّماح للزوارق التابعة لسلاح البحرية الروسي باستخدام ميناء بنغازي، وفقًا للاتفاق الذي تم التوصل إليه مع القذافي عام 2008، فضلًا عن استخدام قاعدة جوية على مقربةٍ من بنغازي – والذي من شأنه أن يفضي إلى تعزيز الوجود الروسي في وسط البحر الأبيض المتوسط وتوسيعه، ما يتيح للجيش الروسي التواجد على مسافة أقرب من أوروبا والقواعد الأمريكية في صقلية.
يُذكر أن القاعدة البحرية الجوية الثانية التي تسعى روسيا لتشييدها تقع على مسافة 700 كم فقط من أوروبا، مشابهةً لقاعدة حميميم الروسية القريبة من اللاذقية.
وكانت الصفقة العسكرية الكُبرى بين روسيا وليبيا في أبريل (نيسان) 2008، إذ جرى توقيع اتفاق حكومي دولي بشأن شطب ديون ليبيا وقدرها 4.5 مليارات دولار في مقابل عقود لصناعة الدفاع الروسية، وبلغت قيمة الأسلحة المورَّدة بما يتراوح بين ملياري وأربعة مليارات دولار، فضلًا عن توقيع شركة «روسو بورون إكسبورت» عقدًا لتوريد بنادق «كلاشينكوف» في أبريل 2008، بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لليبيا.
تربح روسيا أيضًا من وراء نفوذها الطاغي في ليبيا، في استثمار هذا النفوذ من خلال استعمال الورقة الليبية في تعزيز دورها في تسوية الأوضاع في سوريا، بما يخدم مصالحها المتزايدة على الأراضي السورية، بما يشمل ذلك دعم بقاء بشار الأسد رئيسًا للبلاد، وفقا لتقرير نشره موقع "ساسة بوست".