في تصريح هو الأول من نوعه يهاجم فيه مسؤول تركي في العلن نفوذ إيران في المنطقة، حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من "التوسع الفارسي" في العراق، التي تدعم المليشيات المسلحة بالمال والسلاح، وإذكاء الصراع والفتن الطائفية في المنطقة.
ورغم تبادل المصالح طيلة العقود الماضية، بدأت تركيا خلال الفترة الأخيرة تتعامل بجدية أكبر مع أخطار نفوذ إيران في المنطقة، ودعمها العلني للمليشيات المسلحة الطائفية في جميع البلدان العربية التي تسعى للسيطرة عليها بقوة المال والسلاح، وإذكاء الفتن الطائفية، وتغذية الصراع، بهدف تفكيك النسيج الاجتماعي في كل من بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء وقبلها المنامة.
أردوغان، ومع تحذيراته المستمرة للحكومة العراقية بعدم السماح لمليشيا الحشد الشعبي (الشيعية) المعروفة بتطرفها وانتهاكها لحقوق الإنسان بدخول مدينة الموصل، أكد أن تلك المليشيات تُشكل تهديداً لسكان الموصل والتركمان، وأن بلاده تراقب أوضاع المنطقة عموماً من كثب، وعلى رأسها ما يحدث في تلعفر وسنجار والموصل.
ويتهم الرئيس التركي إيران ضمنياً، باستمرار، من خلال خطاباته وأحياناً عن طريق توجيه رسائل غير مباشرة، بالتحكم في حكومة بغداد، التي طالما اتهم الجانب الشيعي منها بمعاداة تركيا، إلا أن هذه الاتهامات بدأت تأخذ منحى آخر حينما حذر من "التوسع الفارسي" في العراق، بالإشارة إلى دعمها للمليشيات المسلحة، وانتهاكها لحقوق الإنسان، وتدخلها في شؤون البلدان الأخرى، وعدم الالتزام بقوانين حسن الجوار والبروتوكولات الدولية.
وقبيل انطلاق معركة الموصل اشتدت حدة التصريحات بين بغداد وأنقرة، عقب رفض رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي مشاركة تركيا، التي تحارب تنظيم الدولة تحت غطاء التحالف الدولي، في معركة الموصل، واتهم العبادي تركيا بمحاولة توسيع نفوذها في المنطقة وليس محاربة "داعش".
ومع رفض بغداد المتواصل لوجود القوات التركية في قاعدة بعشيقة، تؤكد أنقرة أنها لا تستطيع تجاهل دعوات حكومة إقليم كردستان العراق والموصل، وضرورة وجود قوات تركيا في معسكر بعشيقة التي تعتبرها دعماً لسكان المنطقة- ذوي الغالبية التركمانية- وتلبية لطلبات حكومة الإقليم بالتدريب وتسليح البيشمركة.
وعقب تهديد حكومة بغداد والمليشيات المدعومة إيرانياً بشن هجمات على القوات التركية المتمركزة في الموصل، تساءل أردوغان في خطاب له أثناء مراسم أقيمت في بلدة ريزا على البحر الأسود، وبثه التلفزيون على الهواء، مخاطباً العبادي: "لِمَ تركتم تنظيم داعش يدخل العراق؟ لم تركتموه يدخل الموصل؟ كان على وشك أن يأتي لبغداد فأين أنت يا حكومة العراق المركزية؟ لذلك؛ لا يجب أن يتحدث أحد عن قاعدتنا في بعشيقة، سنبقى هناك. بعشيقة ضمانتنا ضد أي نوع من الأنشطة الإرهابية في تركيا".
وما يزيد التوتر المتوقع مستقبلاً بين طهران وأنقرة هو دعم بغداد وطهران الخفي لمنظمة "بي كا كا"، في بعض المحافظات العراقية، خصوصاً الشمالية، في محاولة لاستغلالها لاحقاً وتسخيرها لزعزعة الاستقرار في تركيا، كما تعمل المليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق واليمن ولبنان.
وخلال السنوات الأخيرة، دخل حيدر العبادي، على خط الاتهامات الروسية - الإيرانية لتركيا بالتعاون النفطي مع تنظيم "الدولة"، الذي كان- بحسب مراقبين- "متوقعاً"؛ نظراً للحلف المعلن بين روسيا وإيران والعراق ونظام الأسد في سوريا.
ويبدو أن وصف أردوغان التمدد الإيراني في عموم المنطقة، والعراق خصوصاً، بـ"التوسع الفارسي"، يأتي في إطار الخلاف المستمر حول المشاركة التركية في العمليات العسكرية لاستعادة مدينة الموصل، والتي تسعى إيران لعرقلتها مباشرة أو عبر حكومة العبادي، ويرى مراقبون أن الصورة ستتضح أكثر تدريجياً، وأن الأيام القادمة حبلى بارتفاع منسوب التوترات بين العراق وإيران من جهة وتركيا من جهة أخرى.