عايشت دولة الإمارات وشعبها خريفا عربيا بامتياز تزامن مع انطلاق الربيع العربي قبل مؤامرات الثورات المضادة. ورغم أن الإماراتيين لم يقوموا بأي حراك أو تحرك إلا أن الهجمة الأمنية والبوليسية كانت أشد من أن تحتمل وأبشع من أي سلوك.
وفي الوقت الذي كانت الشعوب العربية تعيش إرهاصات تحولات جوهرية قبل الالتفاف عليها من جانب أجهزة الأمن والمخابرات والعسكر كان جهاز أمن الدولة يبطش بأبناء الوطن بسبب عريضة تطالب بالعدالة الاجتماعية في جزئية واحدة ومحدودة وهي تطوير تجربة المجلس الوطني الاتحادي. فقامت جهات وشخصيات أمنية وتنفيذية بالتنكيل بالموقعين عليها؛ فسحبت جنسيات بعضهم وسجنت ونفت آخرين، وأغلقت جمعيات وطردت موظفين وارتفعت وتيرة القمع بصورة غير مسبوقة ومتسارعة.
وإزاء هذه الحالة الإمنية الإرهابية المستمرة حتى الآن، جاء وقت المواقف التاريخية والفاصلة والفارقة التي لا تقبل اللبس ولا التحايل ولا المناورة. لحظة تاريخية ديست فيها كرامة الوطن والمواطن وعربد جهاز الأمن خارج إطار القانون والدستور باعتقالات عشوائية واعتداءات على الناشطين جسدية ولفظية وتقطيع اواصر العلاقات الاجتماعية وتحريض القبائل على بعضها البعض. فترة حرجة سبب فيها جرحا وشرخا اجتماعيا كادت أن تعصف بالوطن برمته لولا حكمة من عض على الجرح وتحمل بنفسه الأذى وضحى بحريته ليظل الوطن والمواطن حرا عزيزا بصورة حقيقية لا بكلمات وتصريحات إنشائية.
مقال كرامة وطن
كتب الشيخ سلطان بن كايد القاسمي رئيس جمعية الإصلاح مقالا بعنوان "من أجل كرامة المواطن"، تطرق فيه لتلك الأوضاع السائدة والتي تجاوزت كل الخطوط الوطنية والأخلاقية والسياسية الحمر، لعل هناك بقية حكماء وعقلاء يتسمعون ويعون فينقذوا الوطن.
قال فيه: الوطن بالمعنى المجرد يتكون أساساً من أرض وبشر، وإن اللحظة التي نفرط فيها بواحد من إخواننا مواطني هذه الأرض الطيبة، لا تختلف عن اللحظة التي نفرط فيها بقطعة من أرض الوطن".
وأضاف: "إذا استمر تقديس القرارات الخفية لجهاز أمن الدولة فسيأتي غداً على جميع مكتسبات الوطن في حرية الإنسان وكرامته". وبكل ثقة بالشباب الإماراتي قال: لقد تغير الزمان، وشعوبنا لم تعد بسيطة بدائية، وأصبح وعيها بحقوقها ليس كما كان في زمن الآباء والأجداد، وانكسر حاجز الخوف وانتهى، فلا نكسر حاجز الحب والاحترام بأيدينا. إن دعوة الاصلاح ستبقى متمسكة بمنهجها الوسطي المعتدل".
واستطرد الشيخ المعتقل، "إن الموت أهون على الإنسان من أن تسقط جنسيته، ثم يتبع ذلك بحملة إعلامية شعواء لتشويه صورته، وأي جانب من الصورة؟ إنها ولاءه لوطنه، وطنه الذي يفديه بالغالي والرخيص".
وندد الشيخ القاسمي بجهاز أمن الدولة في مقاله، "إن جهاز الأمن الذي تبنى هذا القرار الجائر لتقديمه أمام صاحب السمو الوالد الشيخ خليفة حفظه الله، لا يؤتمن أن يتبنى غداً أي قرار آخر غير محسوب العواقب على أمن الوطن وكرامة المواطن".
وناشد الشيخ القاسمي رئيس الدولة، بإطلاق "مبادرة حكيمة توازن بين هيبة الدولة من جهة وكرامة المواطن من جهة أخرى. "بتحرير الحياة المدنية من الهيمنة الأمنية" والحد من الصلاحيات المطلقة لجهاز الأمن.
حال الدولة بعد المقال
الناظر بإنصاف لحال دولة الإمارات وشعبها بعد تحذيرات الشيخ القاسمي يجد أن كرامة الوطن والمواطن لا تزال عرضة للإهانات بفعل سياسات جهاز أمن الدولة وداعميه من خارج الوطن أو داخله.
الدولة اليوم إحدى الدول القليلة في العالم المتهمة بالتعذيب سواء لمواطنيها المعتقلين أو المقيمين، والدولة متهمة صراحة وعلانية بأنها مولت خطة إسرائيلية لضرب الثورات العربية وفقا للرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي.
الإماراتيون باتوا يتحاشون الإعلان عن جنسيتهم في سائر الدول العربية بعد تورط جهاز الأمن بكل الساحات العربية وفقدان الدولة سمعتها وهيبتها التي بناها الوالد المؤسس وإخوانه رحمهم الله جميعا طوال 3 عقود.
المواطن الإماراتي، تنتهك حرماته، فتختطف بناته لشهور طويلة تحت حراسة جنود نيباليين وكولوميين في اختفاء قسري. المواطن الإماراتي تسحب جنسيته ويعتقل إذا كان لديه حساب على مواقع التواصل الاجتماعي وأراد ممارسة حريته وحقه في التعبير.
المواطن الإماراتي محاصر من المهد إلى اللحد بجهاز الأمن الذي يضرب أطواقا وقيودا حوله في المدرسة والجامعة والعمل والتجارة والشارع والمؤسسة، مصادر كل كينونته العقلية والقلبية لجهاز الأمن.
المواطن الإماراتي، تعرضه الدولة اليوم "ليحارب في أي مكان" وكأنه لا قضية وطنية خاصة به سواء على صعيد احتلال إيران لجزرنا الذي ينسف كل ادعاءات وتبجحات مسؤولين حول عزة الوطن وكرامته ما دام هذا الاحتلال العار يطوق أعناقنا.
المواطن الإماراتي تحول من سائح يجوب الدنيا إلى "محارب" عليه أن يتوقع القتال في أي مكان، لماذا وكيف، ليس مشكلة. جهاز الأمن يريد ذلك.
المفارقة أن جهاز الأمن اعتقل الشيخ سلطان على خلفية هذا المقال بعد يومين من اقتحام الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد لجزرنا المحتلة، وبدل أن يكون رد الدولة ضد هذه الاعتداء كان الجهاز مشغولا باعتقال الشيخ وتلفيق الاتهامات، لتلحق تداعيات الاقتحام الخطيرة والمستمرة إلى بيانات الاستهلاك السياسي المحلي والخليجي والعربي. فكل شيء بخير، ما دام الإصلاحيون والناشطون لا يثيرون كرامة الوطن والمواطن.