في السنوات العشرين الماضية، شهدت برامج التلفزيون في كل الوطن العربي تغيراً ملحوظاً لمصلحة ما عُرف بالبث المباشر وبرامج ما يسمى بتلفزيون الواقع الذي حظي بالجدل والخلاف، كانت برامج تلفزيون الواقع وعلى امتداد العالم العَربي كله، وذلك لأسباب عدة.
يأتي في مقدمتها منافاة هذه البرامج لهوية وقيم المجتمع العربي، وترويجها لثقافة أخلاقية فارغة لا تخدم الشباب ولا المجتمع، والمقصود هنا الثقافة الاستهلاكية، ثقافة الشهرة، الترويج للرقص والغناء باعتباره أهم مداخل الشهرة والثروة، وخلخلة الشخصية وخلق نموذج مغاير ومحاولة تقليده والتشبه به.
توصلت من خلال البحث في برامج الواقع أنه خلال 20 عاماً تم إنتاج 42 برنامجاً، (برامج اكتشاف الأصوات، برامج الطهي، اكتشاف ملكات الجمال، أصوات الأطفال، المكياج وعمليات التجميل، و.. إلخ)، تابعتها مختلف شرائح المجتمع العربي، وسط معارضة مجتمعية من هنا ونقد صحفي لاذع من هناك.
ومع مرور الزمن والأرباح الفلكية التي حققتها التلفزيونات خفت الصوت المجتمعي الناقد بسبب ظهور أجيال جديدة، وأصبحت هذه البرامج جزءاً من ذائقتها وذائقة الجميع - بقوة التعود - برغم افتقارها إلى أي قيمة فنية أو معرفية أو ثقافية!
على ذلك، عادت التسلية لتتسيد النقاشات، ولتكون هي الهدف الأول والرئيس لوجود التلفزيون في حياة الأسرة مع انسحاب تدريجي وملحوظ لفكرة الدور التوعوي والمسؤولية الاجتماعية للإعلام! خاصة بعد أن تغلغلت هذه البرامج إلى عمق العصب العاطفي في الناس حين ركزت على الأطفال والشباب الصغار!
الغريب أن الـ42 برنامجاً تركز 12 منها في مجال الغناء والرقص، 18 على الأزياء والمكياج وعمليات التجميل والألعاب وكرة القدم، 5 على الزواج والطلاق، وبرنامج واحد فقط للطهي وتعليم القرآن ومهارات الاعتماد على النفس والثقافة والذكاء و...
وقد تبنت دول عربية محددة هذه البرامج وروجت لها ورعت إنتاجها، وهي الدول ذات الكثافة الشبابية العالية كالسعودية ولبنان والإمارات ومصر، حسب بحث علمي في هذا المجال أعده الدكتور حسن مكاوي في كلية الإعلام بجامعة القاهرة!
السؤال وسط هذه التحديات الوجودية التي يواجهها الخليج والدول العربية: ألا يستحق الأمر عناء القائمين على صناعة تقليد برامج الواقع في تلفزيوناتنا أن يتبنوا برامج توجيه للأطفال والشباب، لغرس مفاهيم أو تغيير مفاهيم تصب في خدمة المجتمع وأجيال ما بعد الخضات السياسية الطاحنة؟