عقدت الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون اجتماعاً في الدوحة الأسبوع الماضي، ودعا الدكتور خالد بن محمد العطية وزير الخارجية القطري إلى ضرورة تحصين المنطقة وحماية مكتسباتها، محذراً من أية هزات أو أزمات تؤثر على مسيرتها وتنعكس على رفاهية مواطنيها. ولقد رشح عن الاجتماع العديد من الآراء التي تختص بحياة المواطنين ومستقبل المنطقة. ومما جاء على لسان السيد حمد بن راشد المري الأمين العام المساعد للشؤون التشريعية والقانونية بالأمانة العامة لمجلس التعاون، أن المجلس الأعلى منح الهيئة الاستشارية صلاحيات إضافية، وأعطاها حق المبادرة واقتراح المرئيات التي ترى تقديم دراسات بشأنها. ويشكل هذا التحول نقطة جديدة ومهمة في عمل الهيئة، بعد أن درجت على دراسة ما يحيله إليها المجلس الأعلى من مواضيع ومشاريع. ورغم أن ما درسته الهيئة الاستشارية وقدمت به مرئيات للمجلس الأعلى قد تجاوز 38 موضوعاً في الاقتصاد والإنسان والبيئة والأمن والعلاقات مع العالم الخارجي والطاقة والثقافة والإعلام ودراسة تقييم مسيرة مجلس التعاون، فإن أثر تلك المرئيات والدراسات على المواطن، أو على الأرض لم يكن واضحاً!
وهذا يجعلنا نتساءل عن جدوى كل تلك الدراسات والمرئيات، ومدى قابلية الدول الأعضاء لوضعها موضع التنفيذ؟ أو الاستفادة منها في تطوير برامجها المحلية، سواء في الاقتصاد أو التعليم أو الصحة أو الخدمات الاجتماعية أو الإعلام أو الثقافة، وغيرها من مجالات التعاون، والتي بدأت مسيرتها قبل 33 عاماً مع قيام المجلس. ولقد وصل المواطن الخليجي إلى حالة من «التململ» من متابعة بيانات مجلس التعاون، والتي يراها البعض بعيدة عن طموحاته وغير متعايشة مع واقعه، كما أن المبالغة في المجاملة من الأمور الواضحة في بيانات المجلس. ولكون منطقة الخليج العربي لها حساسية خاصة وطبيعة محددة، من حيث احتوائها على النفط والغاز الذي يغذي العالم، ووحدة أصول وتجانس أبنائها، وتقارب نظم وأشكال حياتهم وأنماط تفكيرهم، وانتمائهم لتاريخ وثقافة مشتركة، وأيضاً وجود المصاهرة الواضحة بين عائلات بلدان الخليج، ووجود الأطماع الخارجية، والتي ما انفك أصحابها يلوحون بها، ويسعون للتدخل في الشؤون الداخلية لبعض هذه الدول المسالمة والمتفاهمة مع العالم، على تأمين سلعتي النفط والغاز لملايين البشر، ونظراً لخلل التركيبة السكانية التي تشكل مأزقاً لابد منه لبعض الدول، حيث لجأ بعضها إلى التجنيس، ولاختلال بيئات العمل في بعض الدول ووجود بطالة مقنعة في دول أخرى، فإن المواطن الخليجي أصبح أكثر إلحاحاً في سعيه نحو تعاون أكثر وضوحاً، لا أن يرتبط هذا التعاون – فقط – بمدى دفء العلاقات بين الدول، وأن أي خلل أو اختلاف في الرؤية سوف «يجهض» هذا التعاون؟ ولقد تم طرح موضوع الوحدة، وهو موضوع مهم جداً، إلا أن بعض الدول ارتأت دراسة الموضوع من جميع جوانبه، كي يظهر المشروع متكاملاً من جميع النواحي، كما جاء في قمة الدوحة في ديسمبر الماضي.ويلاحظ المواطن الخليجي أن الهيئة الاستشارية لا بد وأن تكون لها صفة البرلمان، على غرار البرلمان الأوروبي، وهذا لن يتأتى في ظل الواقع السياسي المعمول به في هذه الدول!؟. ذلك أن البرلمان الموحد يحتاج إلى وجود نظم برلمانية محلية ذات صفة تشريعية وشعبية (أي منتخب من الشعب مباشرة)، وهو أمر غير متوافر حالياً.
وموضوع الإرهاب نفسه أعطته الدول أهمية قصوى، وهذا حق من الدولة وحق للمواطن أيضاً، ولكن لا بد من الاعتراف وبوضوح أن على دول التعاون أن تقنن مسببات الإرهاب، ذلك أن هجرة مئات الآلاف من شتى بقاع العالم إلى المنطقة، قد يجعل السيطرة أو متابعة بعض «المارقين» الذين يتخفون وراء عباءة الدين أمراً صعباً! ولقد اكتشفت بعض الدول خلايا نائمة، كادت على وشك إحداث هزات أمنية في المنطقة!. وبعض هؤلاء كانت لهم علاقات وثيقة مع إيران وبعض المنظمات الموضوعة على لائحة الإرهاب.
لقد عملت الهيئة الاستشارية الخليجية الكثير، وهي تضم نخبة من أصحاب الخبرة والرأي والوزراء السابقين، ولكن الزمن لا ينتظر، والأجيال الجديدة تتوالد، كما تتوالد معها ثورة المعلومات التي يتعايش معها جيل الشباب الخليجي، وأنه لا يجوز أن يتعامل مجلس التعاون مع مواطنيه بالروح نفسها التي تعامل معهم بها يوم 25 مايو 1981.