صنعت هذه الإمارة الصغيرة الكثير من الأعداء لنفسها في السنوات الأخيرة، نتيجة تدخلها في مجموعة من الصراعات الإقليمية. أما الآن، وبعد أن واجهت بعض الأعباء السياسية الضخمة، فإنها عادت لتجعل طموحاتها الكبيرة أكثر اعتدالًا.
ومن التوسط في لبنان والسودان، لمساعدة الثوار في ليبيا وسوريا، ودعم حركة حماس الفلسطينية، شاركت قطر تقريبًا في كل نقطة صراع في الشرق الأوسط. ولكن، وتحت ضغط من الدول المجاورة الأكبر كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، عادت هذه الدولة في الأسابيع الأخيرة لتنأى بنفسها عن الموقف التقليدي المتمثل في نصرة الحركات الإسلامية، وخاصةً جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
وسوف يصبح من الواضح خلال الأشهر المقبلة إلى أي مدى سوف تتراجع قطر عن دورها السابق. ولكنّ الدبلوماسيين والمحللين في العاصمة القطرية، الدوحة، متفقون تقريبًا على أن الإمارة سوف تركز الآن أكثر على الأولويات المحلية.
وقال عبد الله باعبود، وهو مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر: “كان القطريون قد تفاجئوا قليلًا حول مدى رد الفعل السلبي الذي تلقوه”، وأضاف: “الأحداث الأخيرة تظهر أنهم شتتوا أنفسهم. وسوف يكون عليهم الآن اختيار معاركهم، والتركيز على ما يخدم مصلحتهم الاستراتيجية”.
وعلى الرغم من ميول سياستها الخارجية، قطر نفسها ليست ثيوقراطية إسلامية. وخلافًا لما يحدث في المملكة العربية السعودية أو الكويت، الكحول قانوني هنا، والسياح يرتدون البيكيني ويحتسون المارتيني في منتجعات الدوحة على شاطئ البحر.
وبدأت الدوحة تشعر بتكاليف تدخلاتها الخارجية عندما سحبت المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، سفراءها منها في مارس/أذار. وبعد تهديداتهم بمقاطعة قمة لدول الخليج في الدوحة هذا الشهر، نقحت قطر موقفها انطلاقًا من النقطة الحرجة للخلاف، وهي كيفية التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين والقيادة المصرية الحالية، التي أطاحت بالتنظيم الإسلامي من السلطة العام الماضي.
وبعد أن طردت العديد من القادة المصريين في جماعة الإخوان قبل القمة، أرسلت قطر مبعوثًا رفيع المستوى إلى مصر يوم 20 ديسمبر للتوصل إلى تقارب مع الرئيس عبد الفتاح السيسي. ويوم الاثنين، أغلقت قطر القناة المصرية لشبكة الجزيرة التلفزيونية، والتي كانت تشكل متنفسًا لجماعة الإخوان والمعارضين الآخرين للقيادة المصرية الحالية.
وقال أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني: “إن أمن مصر مهم لأمن قطر“.
وعندما بدأ الربيع العربي في عام 2011، تبنت قطر بفارغ الصبر المطالبات بالتغيير. ومراهنة على أن الحركات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين هي من ستمثل المستقبل، قامت الدوحة بدعم نشاط هذه الحركات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، رغم نفي المسؤولين القطريين الإعلان عن لعبتهم هذه. وكان هذا هو الاختلاف الحاسم بين قطر وكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين تنظران إلى الإخوان كتهديد وجودي.
وقال أندرياس كريج، وهو خبير في كينجز كوليدج في لندن يقدم المشورة للقوات المسلحة القطرية: “لقد اعتقد القطريون بالتأكيد بأنهم كانوا على الجانب الصحيح من التاريخ، من خلال دعم شعوب العالم العربي”.
بعد أن وجدت نفسها معزولةً فجأة، أصبحت قطر أقل قدرة بشكل متزايد على مقاومة المطالب السعودية والإماراتية. وقال سلمان شيخ، مدير مركز بروكنجز الدوحة: “الضعف الأكبر بالنسبة لهم هو الفجوة بين طموحاتهم وقدراتهم”، وأضاف: “إنهم يطمحون للعب في البطولات الكبيرة، ولكن الفرق الكبيرة في كثير من الأحيان تضعهم في أسفل الترتيب“، على حد تعبيره.