كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، اليوم الثلاثاء، أن معدات عسكرية بريطانية كانت قد صُدرت إلى الإمارات، تم العثور عليها لاحقاً بحوزة قوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان، والمتهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية وانتهاكات جسيمة ضد المدنيين. ويستند التقرير إلى وثائق رسمية اطّلع عليها مجلس الأمن الدولي، ما أثار تساؤلات حادة حول دور بريطانيا وأبوظبي في استمرار تغذية الصراع السوداني.
ووفقاً للتقرير الحصري، عُثر على أنظمة استهداف للأسلحة الصغيرة بريطانية الصنع، إلى جانب محركات مركبات مدرعة من إنتاج شركات بريطانية، في مواقع قتال تابعة لقوات الدعم السريع، التي تخوض حرباً مدمرة ضد الجيش السوداني منذ أكثر من عامين. وتشير الوثائق إلى أن هذه المعدات ساهمت في صراع خلّف أكبر أزمة إنسانية في العالم، مع سقوط أكثر من 150 ألف قتيل ونزوح أكثر من 12 مليون شخص، فيما يواجه قرابة 25 مليون مدني خطر الجوع الحاد.
وأعادت هذه النتائج تسليط الضوء على صادرات الأسلحة البريطانية إلى الإمارات، التي وُجهت إليها اتهامات متكررة بتزويد قوات الدعم السريع بالسلاح، وهو ما يثير أسئلة حول مدى التزام الحكومة البريطانية بقوانينها الخاصة بتصدير الأسلحة واحترامها للمعاهدات الدولية ذات الصلة.
وتُظهر الوثائق أن مجلس الأمن الدولي تلقى قبل أشهر مواد تزعم أن أبوظبي زودت قوات الدعم السريع بمعدات بريطانية الصنع. وعلى الرغم من هذه المزاعم، تكشف بيانات جديدة أن لندن واصلت إصدار تراخيص تصدير إضافية للمعدات العسكرية من النوع ذاته إلى الإمارات، ما عزز الشكوك بشأن تساهل السلطات البريطانية في تطبيق ضوابطها الصارمة الخاصة بمراقبة الصادرات.
كما أورد التقرير أن محركات بريطانية صُنعت خصيصاً لناقلات الجنود المدرعة التي تنتجها الإمارات جرى تصديرها رغم أدلة سابقة تشير إلى استخدام هذه المركبات في ليبيا واليمن، في تحدٍ لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.
في المقابل، نفت الإمارات مراراً تقديم أي دعم عسكري لقوات الدعم السريع.
وقال الخبير البريطاني وعضو لجنة الأمم المتحدة السابقة بشأن السودان مايك لويس إن "القانون البريطاني يلزم الحكومة بعدم السماح بتصدير الأسلحة عند وجود خطر واضح من تحويلها أو استخدامها في جرائم دولية"، مضيفاً أن "الإمارات تمتلك سجلاً طويلاً في تحويل الأسلحة إلى مناطق نزاع في انتهاك للحظر الأممي".
ودعا عبدالله إدريس أبو قردة، رئيس رابطة دارفور في الخارج، إلى تحقيق عاجل في القضية، مشدداً على ضرورة فرض رقابة صارمة على الاستخدام النهائي للأسلحة البريطانية لضمان عدم مشاركتها في الجرائم ضد المدنيين السودانيين.
وتشير الوثائق، المؤرخة بشهري يونيو 2024 ومارس 2025، إلى أن أجهزة استهداف بريطانية الصنع عُثر عليها في مواقع لقوات الدعم السريع في الخرطوم وأم درمان، بعضها يحمل علامات شركة ميليتيك البريطانية، المتخصصة في أنظمة التدريب والاستهداف، والتي حصلت منذ عام 2013 على تراخيص تصدير متعددة إلى الإمارات.
وتُظهر البيانات أن الحكومة البريطانية أصدرت بين يناير 2015 وسبتمبر 2024 نحو 26 ترخيصاً دائماً لتصدير أجهزة تدريب عسكرية من فئة "ML14" إلى الإمارات، تشمل منتجات ميليتيك. وفي سبتمبر 2024، وبعد ثلاثة أشهر فقط من تسلّم مجلس الأمن صوراً تثبت وجود هذه المعدات في السودان، منحت لندن ترخيصاً فردياً مفتوحاً لتصدير المزيد من المنتجات ذاتها إلى أبوظبي، ما يسمح بتصدير كميات غير محدودة دون تتبع وجهتها النهائية.
كما وثّقت الصور ناقلات جند مدرعة من طراز "نمر عجبان" صُنعت في الإمارات، تحمل محركات كتب عليها "صُنع في بريطانيا العظمى بواسطة شركة كومينز"، بتاريخ إنتاج يونيو 2016. وأشارت الأدلة إلى أن أبوظبي كانت قد زودت بهذا النوع من المركبات ميليشيات ليبية وصومالية سابقاً، رغم قرارات الحظر الأممية.
وردّت شركة كومينز بأن جميع صادراتها مرخصة من السلطات المختصة وتخضع لضوابط قانونية صارمة، مؤكدة أنها لم تسجل أي معاملات تشير إلى السودان كوجهة نهائية.
كما أكدت وزارة الخارجية البريطانية أن المملكة المتحدة تمتلك "أحد أقوى أنظمة مراقبة الصادرات وأكثرها شفافية في العالم"، وأن جميع التراخيص تُقيَّم بدقة لتجنب تحويلها إلى أطراف غير مصرح لها.
ورغم ذلك، نقلت الصحيفة عن مصادر أن الحكومة البريطانية كانت على علم بمخاطر التحويل، وأن بعض التراخيص رُفضت بالفعل، غير أن استمرار إصدار تراخيص جديدة أثار تساؤلات حول مدى التزام لندن بمعاييرها.
وامتنعت أبوظبي عن التعليق، وفقا لتقرير الغارديان.