أحدث الأخبار
  • 06:03 . بين التنظيم القانوني والاعتراض المجتمعي.. جدل في الإمارات حول القمار... المزيد
  • 01:22 . "رويترز": لقاء مرتقب بين قائد الجيش الباكستاني وترامب بشأن غزة... المزيد
  • 01:06 . فوز البروفيسور ماجد شرقي بجائزة "نوابغ العرب" عن فئة العلوم الطبيعية... المزيد
  • 12:53 . اعتماد تعديل سن القبول برياض الأطفال والصف الأول بدءًا من العام الدراسي المقبل... المزيد
  • 12:05 . ترامب يوسّع حظر السفر إلى أمريكا ليشمل ست دول إضافية بينها فلسطين وسوريا... المزيد
  • 11:59 . السعودية تدشّن تعويم أول سفن مشروع "طويق" القتالية في الولايات المتحدة... المزيد
  • 11:53 . محكمة كويتية تحيل ملف وزير الدفاع الأسبق للخبراء... المزيد
  • 12:45 . ميدل إيست آي: هل يمكن كبح "إسرائيل" والإمارات عن تأجيج الفوضى في المنطقة عام 2026؟... المزيد
  • 12:40 . أمطار غزيرة تغرق مستشفى الشفاء وآلافا من خيام النازحين في غزة... المزيد
  • 11:59 . طهران ترفض مطالب الإمارات بشأن الجزر المحتلة وتؤكد أنها تحت سيادتها... المزيد
  • 11:30 . ترامب: 59 دولة ترغب بالانضمام لقوة الاستقرار في غزة... المزيد
  • 11:29 . الإمارات تدين الهجوم على مقر للقوات الأممية بالسودان... المزيد
  • 01:04 . مرسوم أميري بإنشاء جامعة الفنون في الشارقة... المزيد
  • 12:14 . "الأبيض" يسقط أمام المغرب ويواجه السعودية على برونزية كأس العرب... المزيد
  • 09:21 . غرق مئات من خيام النازحين وسط تجدد الأمطار الغزيرة على غزة... المزيد
  • 07:15 . روسيا تهاجم سفينة مملوكة لشركة إماراتية في البحر الأسود بطائرة مسيرة... المزيد

هل حقا أننا خارج المعاصرة؟

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 02-12-2016

دعنا ننزل إلى ساحات واقع الحياة العربية لنرى إن كانت الملاحظات والوقائع تستدعي وجود ذلك الصراع المفتعل بين الأصالة والمعاصرة.
دعنا نبسط الأمر وننظر إلى السطح أولا، ونبدأ بقائمة الكلمات المهيمنة على تعاملنا مع أهم النشاطات التي تحكم حياة المجتمعات العربية، وبالتالي الإنسان العربي، من مثل النشاطات السياسية، والعلاقات الاجتماعية، والأفكار المتداولة، والنشاطات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والإعلامية والفنية، والخدمات الصحية والتعليمية.
فالكلمات المتداولة في السياسة تشمل الديمقراطية والأحزاب والانتخابات والبرلمان والدستور والقوانين والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والبيروقراطية. فهل هذه كلمات المعاصرة أم كلمات الأصالة؟
أليست كلمات الأصالة من مثل الخلافة وأمير المؤمنين وذوي الحل والعقد وطاعة وليّ الأمر والشورى وأهل البيت وعقد البيعة وتطبيق شرع الله واعتبار كل معارضة سياسية فتنة دينية، أليست غير متداولة ومنسية، وبالتالي فأغلبها يصنّف ككلمات قاموسية غير مستعملة ولا متداولة؟
وفي عالم الفكر والمبادئ والقيم أليست الكلمات المتداولة على كل لسان هي من مثل الحرية والمساواة والأخوة الإنسانية والليبرالية والحداثة والتقدم وحقوق الإنسان وحرية التعبير والعدالة الاجتماعية وغيرها… أفليست هذه كلمات المعاصرة وأهدافها ووسائلها؟
وفي عالم الاقتصاد أليست الكلمات المهيمنة هي الرأسمالية والاشتراكية والنيولبرالية العولمية وقانون حرية الأسواق والميزانية والضرائب والدخل القومي العام والإحصائيات ودخل الفرد السنوي والبنوك والفوائد والقروض والودائع وغيرها، أليست جميع هذه الكلمات معاصرة؟ هل يذكر أحد كلمات من مثل بيت المال والخراج والجزية وغيرها من الكلمات المندرجة في الأصالة والتي كانت تصف وتتعامل مع حياة اقتصادية بدائية شديدة البساطة؟
وبالطبع لا نحتاج أن نسرد آلاف الكلمات العلمية والتكنولوجية والطبية والإعلامية والتواصلية الالكترونية والموسيقية والفنية التي جميعها تنتمي إلى عالمنا المعاصر، وليس لها وجود في تراثنا ولا صلة بمفهوم الأصالة.
ما نحتاج أن نعي دلالاته بعمق هو أن قسما كبيرا من تلك الكلمات المعاصرة تنتمي في أصولها اللغوية ومفاهيمها إلى الحضارتين اليونانية والرومانية. وهذا يجعلنا في الحاضر مرتبطين فكريا وتنظيميا ولغة بهاتين الحضارتين، تماما كما هو الحال بالنسبة لأمم ومجتمعات الغرب. ومثلما تمددت في الماضي البعيد جذورنا إلى حضارات الهند وفارس واليونان فإنها تعود اليوم فتتمّدد، من خلال الحضارة المعاصرة الغربية، إلى حضارتي اليونان وروما بقوة أكثر وتشابك أشد.
ثمُ لنذكُر أنفسنا بتأثير الكلمات على تكوين اللغة والخطاب، تكوين الأفكار والعقليات، سعة أو ضيق الخيال، التواصل والتفاعل الفكري بين البشر، حتى ندرك أننا في قلب العصر، وأننا، شئنا أم أبينا، نواجه يوميا إملاءاته ونتعايش مع متطلباته. فالكلمات تكون اللغة، واللُغة هي وعاء الفكر، والفكر يكون العقل.
إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لجانب واحد فقط من التشابك والتفاعل بين الأصالة والمعاصرة في عالم الكلمات والتعابير، فإذن أين المشكلة بالنسبة لما يسمُى بالصراع بين الأصالة والمعاصرة؟ هل حقا أنه صراع وتناقض أم أنه معركة وهمية آن لها أن تهدأ وتترك المجال لتفاعل إبداعي خلاق يغني حياتنا ويغني الآخر؟
دعنا من الخلافات النظرية البحتة بين رافعي راية الأصالة ورافعي راية المعاصرة، والذين لا يرون في الأمر إلا مقارنات بين النصوص التراثية والنصوص الحداثية. فلبُ الموضوع أكثر من ذلك بكثير، وهو لا يكمن في المقارنات والمناظرات النظرية، ولكن يكمن في فهم الواقع وفي معالجة مشاكل الواقع وتخطي تخلُفه وعجزه وبلادته التي وصلت إلى قمتها في المشهد الجهادي التكفيري العنفي العبثي الذي يلفح وجوهنا ليل نهار وفي طول وعرض بلاد العرب.
إن القضية الثانية الكبرى هي في مواجهة تحديات العصر فهما ونضاليا وربطه ربطا محكما بفهم الواقع العربي وتجاوز تخلُفه.
من أجل تغيير الواقع والاستجابة لتحديات العصر نحتاج إلى مواجهة وحل إشكاليات عدة: لدينا إشكالية مع رجوع الاستعمار ونجاحاته وتخطيطه لمستقبلنا، لدينا إشكالية الاقتصاد الريعي الخاضع لمنطق الرأسمالية النيوليبرالية العولمية على حساب الفقراء والمهمشين والطبقة الوسطى، لدينا إشكالية الوجود الاستيطاني الصهيوني وضرورة دحره، لدينا إشكالية الاستبداد والتسلُط الأمني على حساب الانتقال السلمي لنظام ديمقراطي معقول، لدينا إشكالية التراجع المأساوي في وجود وفاعلية النظام القومي الإقليمي العروبي لحساب صعود قوى إقليمية أخرى وهيمنتها على مقدرات وأرض بلاد العرب، لدينا العجز والشلل والتمزق في نضال القوى الشعبية المدنية السياسية العربية، لدينا التراجعات الهائلة في حقول خدمات الصحة والتعليم والفنون وذلك لحساب الخصخصة والهيمنة الطائفية والقبلية وبسبب ضعف القوى التقدمية الناظرة إلى المستقبل.
تلك عينات من مشكلاتنا تحتاج إلى جعل موضوع الأصالة والمعاصرة في خدمة إيجاد حلول لها لا تتجاهل التراث ولا تتعامى عن التحامنا المتنامي بالعصرنة، والذي أبرزنا مقداره وتشابكه في عالم الكلمات والتعابير التي نستعملها ليل نهار.
آن لهذه الأمة أن تخرج من المعارك الوهمية وتدير وجهها نحو حل مشاكل حياتها، وما أكثرها.