أحدث الأخبار
  • 12:25 . محمد بن زايد يزور أنغولا لتعزيز التبادل الاقتصادي... المزيد
  • 12:06 . انسحاب فرق موسيقية من مهرجان في بريطانيا بعد إزالة علم فلسطين... المزيد
  • 11:41 . الإمارات تعلن إدخال أكثر من 300 شاحنة مساعدات إلى غزة منذ فتح المعابر... المزيد
  • 11:31 . وزارة التربية تكشف عن التوقيت الرسمي المعتمد للمدارس الحكومية... المزيد
  • 12:18 . اليمن.. مقتل ما لا يقل عن ثمانية جراء السيول... المزيد
  • 12:50 . "التعاون الخليجي" يدعو المجتمع الدولي إلى إلزام "إسرائيل" بفتح المعابر فوراً... المزيد
  • 12:44 . جيش الاحتلال يواصل جرائمه بحق المدنيين في غزة... المزيد
  • 12:43 . استقالة وزير خارجية هولندا بسبب موقف حكومة بلاده من العدوان الصهيوني على غزة... المزيد
  • 12:11 . عبد الله بن زايد ورئيس وزراء مونتينيغرو يبحثان تعزيز العلاقات والتعاون المشترك... المزيد
  • 12:10 . "إيكاد" تفضح تلاعب الناشطة روضة الطنيجي بمصادر أمريكية لتشويه الجيش السوداني... المزيد
  • 11:29 . زيارة سرية لمساعد نتنياهو إلى أبوظبي لإصلاح العلاقات وسط مخاوف من هجمات محتملة... المزيد
  • 11:26 . الإمارات تسلّم مطلوبَين دوليين إلى فرنسا وبلجيكا في قضايا اتجار بالمخدرات... المزيد
  • 09:55 . واشنطن تستهدف شبكات وسفن مرتبطة بالنفط الإيراني بينها شركات في الإمارات... المزيد
  • 09:54 . حماس: إعلان المجاعة بغزة يستدعي تحركا دوليا لوقف الحرب ورفع الحصار... المزيد
  • 09:53 . بريطانيا: منع "إسرائيل" إدخال المساعدات لغزة "فضيحة أخلاقية"... المزيد
  • 06:25 . "هيئة الطيران" تصدر لائحة جديدة لإدارة الأزمات في المطارات... المزيد

القرضاوي إماماً..

الكـاتب : أحمد بن راشد بن سعيد
تاريخ الخبر: 13-07-2016


في أواسط التسعينيات الهجرية كنت أدرس في الصف السادس الابتدائي في مدينة الهفوف السعودية، وكنت أنتظر مساء كل جمعة لأشاهد على تلفزيون قطر برنامجاً وعظياً جميلاً للعلّامة يوسف القرضاوي. بهرتني لغة الشيخ الآسرة وتناوله السلس للقضايا الشرعية وقضايا الحياة. كان هذا أول معرفتي بالشيخ حتى كبرت واطّلعت على بعض إنتاجه العلمي الذي يتسم بالثراء والتنوع فتعلّمت الكثير. يوسف القرضاوي ليس مجرد عالم دين. إنه رمز من رموز الأمة في هذا الزمن؛ عَلَم من أعلامها، نبراس تستضيء به أجيالها؛ كهف تلجأ إليه في الملمّات. وذلك بالضبط هو دور العلماء المجدّدين عبر التاريخ. إنهم ليسوا من حاشية السلطان، ولا يتكسّبون من مديحه كما يتكسّب الشعراء. الفقيه الحقيقي هو الفقيه المستقل الذي لا يُعرف بما يحفظ من متون، وما يجمع من أوراق، بل بما يصدع من حق، وما يقارع من ظلم. الفقيه الحقيقي نجم يهتدي به الناس في الظلماء، فإذا باع وشرى في سوق الفتاوى غدا معتماً وانطفأ. القرضاوي هو النجم الذي أبى أن ينطفىء، وما برح يتلألأ. ما انحاز يوماً إلا إلى أمّته، وما أفتى إلا بما يمليه عليه فقهه بالدين، وولاؤه لربّه. إنه أنموذج للعالم العامل في زمن كاد العلماء الربانيون أن ينقرضوا.
منذ بدء ثورات الربيع العربي ازدادت حدّة الهجوم على القرضاوي رداً على انحيازه للحريّة والعدالة التي طالبت بها تلك الثورات. الهجوم لم يكن إذن وليد تدوينة يتيمة شهدها موقع تويتر قبل أيام. إنه نتيجة لإصرار الشيخ على الاضطلاع برسالة العالم الرباني الذي ينطق بالحق في وجه الجور، ولا يخشى في الله لومة لائم. لم ينجح أعداء الأمة في شراء الشيخ ليكون «وسطياً» «متسامحاً» بزعمهم. لقد استطاعوا أن «يجيّروا» بعض العمائم لأهداف الثورة المضادة تحت شعارات «السلمية» التي لا تعني سوى الانبطاح للغزاة، والتبرؤ مما يسمّونه «الإسلام السياسي» الذي لا يعني سوى تحكيم الشريعة في السياسة، لكن القرضاوي كان حاجز الصدّ الذي تكسّرت عليه مشاريعهم. القرضاوي آخر العمالقة، استعصى عليهم، فرموه عن قوس واحدة.
وكعادة الخطاب المتصهين الديماغوجي المفتقر إلى البيّنة والمنطق، فقد نبش القوم بعض فتاوى الشيخ ليتهموه بالتحريض على العنف، ومن ذلك، قولهم إن فتواه التي أجاز فيها العمليات الاستشهادية هي التي جرّت على المسلمين آفة الإرهاب، وإن تشديده على قيام الأفراد بها في ظل «تدبير جماعي» (حتى لا تشيع الفوضى) يشي بحزبيته، ووضع الولاء للجماعة فوق كل اعتبار! المنتقصون من فتوى الشيخ تناسوا أنه وضع العمليات الاستشهادية في إطار الضرورة، وضمن السياق الفلسطيني، وبعد امتلاك المقاومة في غزة الصواريخ، أفتى بعدم جوازها. كما تناسوا أن رأي الشيخ ليس جديداً، بل هو قديم، إذ تناوله بإيجاب الأئمة الأربعة وشيخ الإسلام ابن تيمية، وعدّ العلّامة ابن باز هذه العمليات من الجهاد، وكذلك رأى فقهاء آخرون كابن جبرين والددو. وبالطبع، لا يستطيع القوم نقد رأي ابن باز، لأنهم ببساطة لا يستطيعون اتهامه بأنه «إخواني»، لكن يستطيعون بسهولة ربط القرضاوي بالإخوان لأنه انتمى إليهم زمناً، ولأنه يرفض القبول بانقلاب 2013 في مصر.
الهجوم الشرس على القرضاوي من دلائل سلامة منهجه، فقد ابتُلي الأنبياء والمصلحون عبر القرون بالشتائم والنبز بالألقاب. لكن الهجوم أتى بآثار عكسية. التفّت الجماهير حول هذا الرجل التسعيني الذي قضى حياته في العلم والبناء والتأليف (أكثر من 170 كتاباً)، ودافعت عنه وتوّجته إماماً. سيذكر التاريخ يوسف القرضاوي جنباً إلى جنب مع العلماء الأبرار كالشافعي وابن تيمية والعز بن عبد السلام الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه. يذكّرني موقف القرضاوي وهو يواجه آلة التشويه ثابتاً على الطريق، معرضاً عن الجاهلين، بالحديث الجليل: « يحمل هذا العلمَ من كل خلَفٍ عدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين».;