أحدث الأخبار
  • 10:16 . صحوة متأخرة للضمير الأوروبي... المزيد
  • 10:05 . "فلاي دبي" تستأنف رحلاتها إلى دمشق بعد 12 عاماً من التوقف... المزيد
  • 07:36 . قوات الاحتلال تطلق النار على دبلوماسيين في جنين.. وإدانات دولية واسعة... المزيد
  • 07:17 . بجوائز تبلغ 12 مليون درهم.. إطلاق الدورة الـ28 من جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم... المزيد
  • 06:50 . لماذا تُبقي الشركات على المدير السيئ؟... المزيد
  • 12:34 . "رويترز": القيادة السورية وافقت على تسليم متعلقات كوهين لـ"إسرائيل"... المزيد
  • 11:31 . فرنسا وبريطانيا وكندا تتجه للاعتراف بدولة فلسطين... المزيد
  • 11:25 . الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا.. والتعاون الخليجي يرحب... المزيد
  • 11:14 . أبوظبي تقحم نفسها كلاعب أساسي في إدخال المساعدات إلى غزة... المزيد
  • 07:34 . "سي إن إن": "إسرائيل" تستعد لضرب منشآت نووية إيرانية... المزيد
  • 07:31 . ترقية قائد الجيش الباكستاني إلى مارشال بعد اشتباكات الهند.. فمن هو عاصم منير؟... المزيد
  • 09:43 . السودان يتهم أبوظبي بالوقوف وراء هجوم بورتسودان... المزيد
  • 05:24 . "علماء المسلمين” يعتبرون إبادة غزة جريمة إنسانية ويطالبون بانتفاضة عاجلة... المزيد
  • 11:56 . انطلاق الدورة الرابعة من "اصنع في الإمارات" في أبوظبي... المزيد
  • 11:56 . تحوّل "كلية ليوا" إلى "جامعة ليوا" بعد اعتماد رسمي من وزارة التعليم العالي... المزيد
  • 11:16 . ترامب يشيد بالعلاقات مع الإمارات وقطر والسعودية... المزيد

الغاضبون وقتل الأفكار

الكـاتب : عبد العزيز الحيص
تاريخ الخبر: 14-12-2015


تتعطل الأفكار في مجتمعاتنا بسبب الغضب، فالناس لا تقول أفكارها بصراحة، بسبب وجود صف طويل من الغاضبين، الذين لا يرحبون بالأفكار ومستعدون للذهاب إلى أبعد مدى في الصراع معها، من الطبيعي أن يُسجن الكاتب أو الشاعر بتهمة الهرطقة، أو أن تصدر فتوى أو قرارات فصل ضد إنسان بناء على توجهاته وفكره، مجالس المجتمع نفسها لم تعد فسيحة ومفتوحة لطرح الأفكار، كل هذا بسبب كثرة الغضب والتوجس من الاختلاف والمخالفة، حُقن المتطرفين في مجتمعاتنا أثمرت الخوف والغضب.
المتطرفون هم أكثر من تغضبه الأفكار، وهذا ليس مرده أن الأفكار تستحق الغضب، بل الغضب هو آلية دفاعية لديهم، لدفع الأفكار والابتعاد عنها فقط، هم ابتداءً ليس لديهم رغبة الانفتاح على الحوار والأفكار، فمعرفة طريق الحق في الحياة والأفكار الصحيحة، طريق واضح ومسلم به لديهم. لقد امتلكوه مسبقاً؛ لذا فالأمر لديهم في التفاعل مع الآخر يكمن في توصيل الأفكار والإقناع بها لا أكثر، وليس الأمر إعادة بناء أفكار أو خلق أخرى جديدة؛ ولذا يلجؤون لحيل كثيرة في صراعهم مع الأفكار والتغير الحاصل في المجتمع، وحيلة الغضب هي الأولى في المشهد.
يبدو الأمر أن مجتمعاتنا تبنت آلية المتطرفين، وفسدت المجالس وفقدت رحابتها المعهودة، وضاقت صدور العرب الذين كانت صدورهم منذ وجدوا في هذه الدنيا صدور أحرار وقوم لُقاح، تبنت مجتمعاتنا هذا السلوك الرافض والمستهجِن للحديث التحرري والأفكار التحررية، بدعوى التغريب حينا، أو البدعة والانحراف، والمنابر التي سيطرت لفترة طويلة في مجتمعاتنا نجحت في تسميم وتشويه المفاهيم والقيم المعاصرة مثل الحرية والعدالة والديمقراطية وغيرها، لقد اشتكى الفيلسوف نيتشه وغربيون آخرون من أن التشدد في ثقافتهم منعهم من الاستفادة من ميراث جارتهم الحضارة الإسلامية، ونحن اليوم نعيش نفس الدور الذي عاشوه سابقا، فإن أُسّ التنوير وأساسه دوماً، شجاعة قول الأفكار.
وفي مقال له عن داعش، يتساءل الفيلسوف سلافوي جيجك عن المتطرفين: إذا كانوا يشعرون أنهم توصلوا إلى الحقيقة، فَلِمَ يشعرون بالغضب الشديد من الآخرين؟!، لماذا المتطرف مهووس بالآخرين، وأفكارهم وأفعالهم، ألا يوجد مساحة في العالم تتيح له أن يعيش ويترك المساحة لغيره المختلف معه، فأصحاب الحق الواحد يغضبون من تعدد وجوه الحق؛ ولأن العالم العربي عالم تنظيري من الدرجة الأولى، ولا يوجد فيه تطبيق؛ لأن السلطات لا تسمح، أو لأن الناس تريد فقط ما اعتادت عليه، هنا يسهل في هذا العالم التنظيري أن يجنح أي أحد لأي جهة يريد، ولذا من السهل استخدامه لتفريغ طاقات الغضب والتشفي والصراع، ليس من عادة الغضب إنتاج فكرة سليمة، وأولئك الغاضبون المشحونون دوما لا يمتلكون سلطانا على أنفسهم، فكيف نسلم لهم المجتمعات.
مرحلة الفكر في الدولة العربية الحديثة كانت مرحلة عسرة، فالدولة العربية منذ ولدت قبل أكثر من نصف قرن، وهي سيدة الغضب، واستخدمت أفكارا وخطوطا عريضة ومارست القسر عليها، والتطرف الذي يشيع كثقافة اليوم، إنما وُلِد من قبل متطرفين أفردت لهم الدول المساحات واستغلت وجودهم، طالما ظلوا يخدمونها فيما تريد. الدولة العربية كانت الكيان الغاضب الذي لا يسمح بوجود من يزاحمه، وأصبح الخوف سيد الموقف من أفكار التغيير وأفكار التحرر، بسبب هيمنتها، فالدولة جهاز ضخم ومعقد يطمح للسيطرة، وقد رسمت وضعا قائما صلدا تطمح للمحافظ عليه، ومن أسلحتها فيه تلك النخب المحافظة التي تخيف كل من يطرح أفكار الإصلاح والتغيير، باب واسع من أبواب إفساد حياة العرب عليهم، هو باب الأفكار الغاضبة، تلك الأفكار التي تمر ولا تقف، بل تحطم وتحطم نفسها في الأخير.
إن الثقة هي الزيت الذي يسهل مفاصل حركة المجتمع، وهي أمر رمزي ومعنوي يسهّل كل حركة بين فئات المجتمع وطبقاته، وحين تغيب الثقة تتعطل مفاصل البلد وحياته الاجتماعية، وبلا ثقة يكون كل كيان وفئة اجتماعية مجرد جزيرة معزولة، والغضب والرغبة في السيطرة هي الحاكم بينهم، إن عدم وجود الحوار والتفاعل في المجال العام وأبعاده السياسية والدينية والاجتماعية، ليس من صالح أي مجتمع، ومن اللافت أن مجتمعاتنا اليوم تتملك وسائل ضخمة للتعبير، كالانترنت ووسائل المعرفة الأخرى، لكن في ذات الوقت جو الانفتاح والطمأنينة في عرض الأفكار الجريئة ومناقشتها، لا يزال غائبا بسبب الخوف والتخويف.