الانتخابات البرلمانية التي أجريت الأسبوع الماضي في تركيا أسفرت عن نتائج أعادت البلاد مرة أخرى إلى عهد الحكومات الائتلافية بعد حوالي 13 عاما من الاستقرار السياسي، وكذلك أثارت علامات استفهام كثيرة حول إمكانية الاستمرار بنظام الانتخابات الحالي.
النتائج الرسمية الأولية التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات، تشير إلى أن حزب العدالة والتنمية حل في المرتبة الأولى بالحصول على 40.87 بالمئة من أصوات الناخبين، وحصد 258 مقعدا من أصل 550 مقعدا في البرلمان التركي. ولكن هذا العدد من المقاعد لا يمكِّنه من تشكيل الحكومة وحده.
وأما الأحزاب الثلاثة الأخرى التي دخلت البرلمان التركي وفقا لنتائج الانتخابات فحزب الشعب الجمهوري حل في المرتبة الثانية وحصل على 24.95 بالمئة من الأصوات وعلى 132 مقعدا، ويليه حزب الحركة القومية الذي حل في المرتبة الثالثة وحصل على 16.29 بالمئة من الأصوات وعلى 80 مقعدا، وجاء حزب الشعوب الديمقراطي في المرتبة الرابعة بالحصول على 13.12 بالمئة من الأصوات وعلى 80 مقعدا من مقاعد البرلمان التركي.
ومن الأفضل أن نقارن هذه النتائج مع نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت الشهر الماضي في بريطانيا وما أسفرت عنه تلك النتائج، لتتضح الصورة أكثر ونعرف مكمن الخلل في نظام الانتخابات المعمول به في تركيا.
حزب المحافظين بزعامة ديفيد كاميرون حصل في الانتخابات البريطانية على 36.9 بالمئة من أصوات الناخبين وحل في المرتبة الأولى وحصد 331 مقعدا من أصل 650 مقعدا في البرلمان البريطاني، فيما حل حزب العمال بزعامة إد ميليباند في المرتبة الثانية وحصل على 30.4 بالمئة من الأصوات وعلى 233 مقعدا في البرلمان.
النسبة التي حصل عليها حزب المحافظين في بريطانيا 36.9 بالمئة فقط، والفرق بينها وبين نسبة الأصوات التي حصل عليها حزب العمل لم يتجاوز 5.5 بالمئة. ومع ذلك، فاز حزب المحافظين بالأغلبية المطلقة وتمكن من تشكيل الحكومة وحده. وأما حزب العدالة والتنمية في تركيا فحل في المرتبة الأولى وحصل على 40.87 بالمئة من أصوات الناخبين، وهذه النسبة أكثر مما حصل عليها حزب المحافظين في بريطانيا، وكذلك الفرق بينها وبين نسبة الأصوات التي حصل عليها حزب الشعب الجمهوري الذي حل في المرتبة الثانية يصل إلى 15.92 بالمئة، ولكن حزب العدالة والتنمية لا يستطيع أن يشكل الحكومة وحده وبحاجة إلى التحالف مع أحد الأحزاب الثلاثة الأخرى.
ولعل الأغرب من ذلك، أن حزب الحركة القومية حصل على 16.29 بالمئة فيما حصل حزب الشعوب الديمقراطي على 13.12 بالمئة من أصوات الناخبين، إلا أن كلا الحزبين حصد 80 مقعدا في البرلمان، ما يشير بوضوح إلى وجود خلل في نظام الانتخابات.
الانتخابات المبكرة أحد الخيارات للخروج من التعقيدات الحالية التي أفرزتها صناديق الاقتراع يوم الأحد الماضي، ولكنها ليست حلا جذريا، لأن الناخبين والمراقبين يشغلهم هذا السؤال: «ماذا لو أفرزت الصناديق مرة أخرى مثل هذه النتائج في الانتخابات المبكرة؟».
نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من الشهر الجاري تؤكد للجميع أن نظام الانتخابات في تركيا بحاجة ماسة إلى المراجعة والإصلاح. وقد يكون الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي أفضل حل للتخلص من شبح الأزمات السياسية المتتالية والحكومات الائتلافية، ومن احتمال وقوع التصادم بين رئيس الجمهورية المنتخب والحكومة المنتخبة، لو الأحزاب السياسية تناقش هذا الموضوع بعيدا عن الشخصنة والحسابات الحزبية الضيقة، إلا أن ذلك في الوقت الراهن لا يبدو أمرا ممكنا في ظل معاناة كثير من الأطراف المعنية من عقدة يمكن أن نسميها «فوبيا أردوغان».