أصدر مركز هنا عدن للدراسات الاستراتيجية دراسة تحليلية حديثة بعنوان "الموانئ اليمنية تحت النفوذ الإماراتي: عسكرة المرافئ وتعطيل الاقتصاد"، تناولت بالدراسة والتوثيق أبعاد السيطرة الإماراتية على الموانئ والجزر والمنشآت الحيوية في اليمن منذ العام 2015، وكيف انعكس ذلك على سيادة الدولة واقتصادها الوطني.
وأكدت الدراسة أن الدور الإماراتي في اليمن تجاوز كونه مجرد شريك ضمن التحالف العسكري، ليأخذ شكلاً فاعلاً مستقلاً يمتلك رؤية استراتيجية إقليمية تستهدف رسم خرائط النفوذ في البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي، تحت شعارات معلنة مثل "تأمين الملاحة" و"دعم الشرعية". غير أن الموانئ اليمنية تحولت –بحسب التقرير– إلى قواعد عسكرية مغلقة، وأذرع لوجستية تخدم مشروع النفوذ الإماراتي على حساب وظيفتها الاقتصادية الوطنية.
أوضحت الدراسة أن الموانئ اليمنية، التي كان يفترض أن تكون روافع للتجارة والتنمية، جرى تفريغها من دورها المدني، وتحويلها إلى نقاط ارتكاز عسكرية. فميناء عدن، الذي كان مؤهلاً لمنافسة جبل علي، أُعيد إدخاله في "سبات طويل"، فيما تحول ميناء المخا إلى ثكنة مغلقة، وجرى تعطيل منشأة بلحاف للغاز في شبوة، وسيطرت قوات مدعومة إماراتيًا على الموانئ والسواحل في حضرموت والمهرة وسقطرى وميون.
وأشار التقرير إلى أن هذه السياسة لم تقتصر على الاحتلال العسكري للموانئ، بل شملت بناء شبكات من الوكلاء المحليين لضمان استدامة السيطرة، وتوظيف تلك المنافذ ضمن مشروع أوسع تسعى فيه أبوظبي لبناء ما وصفته الدراسة بـ "إمبراطورية موانئ" تمتد من الخليج إلى القرن الأفريقي.
وتابعت: "منشأة بلحاف، شريان الغاز، حُبست في القاعدة العسكرية. المكلا وساحل حضرموت تحولا إلى نطاقات نفوذ أمني، والميناء في المهرة أضحى تحت رقابة مشددة. وحتى الجزر البعيدة، كسقطرى وميون، لم تسلم من إعادة الترسيم على خرائط المصالح الجديدة".
وتعقبت الدراسة كيف جرى تفريغ الموانئ من معناها الاقتصادي، وكيف تم بناء منظومة محلية من الوكلاء تضمن استدامة السيطرة، وكيف يُعاد ترتيب الممرات البحرية بما يخدم مصالح قوة إقليمية على حساب سيادة الدولة.
وأوصت الدراسة بأن يُدرج ملف الموانئ والجزر اليمنية في صدارة أي مفاوضات سياسية أو اتفاقات سلام قادمة، باعتباره ملفًا سياديًا لا يقل أهمية عن ملفات وقف إطلاق النار أو إعادة الإعمار.
وأضافت: "ينبغي في النص صراحة على انسحاب أي قوات أجنبية من هذه المرافق، وإعادتها إلى إدارة وطنية خاضعة لرقابة الدولة".
وأكدت ضرورة إنشاء هيئة وطنية مستقلة لإدارة الموانئ، تضم ممثلين عن الحكومة المركزية والسلطات المحلية وخبراء في النقل البحري والاقتصاد، وأن تُمنح هذه الهيئة صلاحيات واسعة لإعادة تأهيل وتشغيل الموانئ وفق خطة اقتصادية متكاملة، بما يضمن تعظيم العوائد المالية وتوزيعها بعدالة على المناطق الساحلية
كما دعت إلى ربط إعادة تشغيل الموانئ بخطط تنمية شاملة للمجتمعات الساحلية، بإعادة تأهيل قطاع الصيد البحري، وتوفير بدائل معيشية للمتضررين من سياسات الحظر السابقة، وضمان حق المجتمعات المحلية في الانتفاع من مواردها الطبيعية.
ولفتت الدراسة إلى ضرورة أن يمارس الإعلام الوطني والمجتمع المدني دورًا فاعلًا في مراقبة أي عقود أو اتفاقيات تتعلق بإدارة الموانئ، وكشف أي محاولات لإعادة إنتاج نموذج الوصاية الاقتصادية تحت مسميات جديدة. الشفافية هنا ليست ترفًا، بل شرط أساسي لمنع عودة النفوذ الخارجي عبر الشركات والصفقات المغلقة.
ودعت الدراسة في ختامها إلى "سحب القوات الأجنبية من جميع الموانئ والجزر اليمنية، وإعادة هذه المنشآت إلى إشراف الدولة اليمنية كمؤسسات سيادية اقتصادية، وفتح تحقيقات شفافة حول الخسائر والانتهاكات المترتبة على عسكرة الموانئ، وتفعيل الرقابة الدولية لضمان حرية الملاحة بعيدًا عن توظيفها لمشاريع نفوذ إقليمية.
وخلص التقرير إلى أن السيطرة على الموانئ ليست مجرد مسألة محلية، بل جزء من صراع جيوسياسي واسع، وأن استعادة اليمن لسيادته البحرية شرط أساسي لإنهاء حالة "الاحتباس الاقتصادي" التي تعيشها البلاد منذ سنوات.