في ظل تصاعد التلاسن الإعلامي والتباين الدبلوماسي بين الجزائر والإمارات، كشفت دراسة حديثة لمركز البيت الخليجي للدراسات والنشر، للكاتبة وجدان عبدالله، عن تعقيدات الخلاف بين البلدين، الذي تجاوز الحدود السياسية ليُمسك بجذور اقتصادية واستراتيجية عميقة، مع انعكاسات محتملة على استقرار شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.
وتصاعدت التوترات مؤخرًا بعد استضافة قناة سكاي نيوز عربية الممولة من أبوظبي في مايو الجاري المؤرخ الجزائري محمد أمين بلغيث، الذي وصف الهوية الأمازيغية بـ"المشروع الصهيوني الفرنسي"، ما أثار ردود فعل غاضبة من الحكومة الجزائرية.
ووصف التلفزيون الرسمي الجزائري الإمارات بـ"الدويلة المصطنعة"، بينما اعتبرت دوائر إماراتية أن الرد الجزائري "خارج نطاق اللياقة الدبلوماسية"، في حين أودعت السلطات الجزائرية المؤرخ بلغيث السجن.
الصراع على النفوذ والثروات
تكشف الدراسة أن الخلاف يتجاوز الخطاب الإعلامي إلى صراع على النفوذ الجيوسياسي والموارد، فالاتفاقيات الإماراتية الأخيرة مع المغرب، مثل مشروع التنقيب عن النفط والغاز مع شركة مبادلة قبالة السواحل المغربية، وتمويل أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب (بكلفة 25 مليار دولار)، تُعتبر منافسة مباشرة لمشاريع الطاقة الجزائرية.
كما أن التقارب الإماراتي المغربي، خاصة بعد تطبيع الرباط مع الاحتلال الإسرائيلي، يزيد من مخاوف الجزائر من تحالفات تُضعف موقفها في ملف الصحراء الغربية.
"إسرائيل" وحرب الوكالة
تُتهم أبوظبي، وفقًا للدراسة، بدور "الواجهة" لتمكين "إسرائيل" من التمدد في أفريقيا عبر الاستثمارات المشتركة، خاصة في الصحراء المغربية.
وقد زادت هذه المخاوف بعد كشف مصادر إسرائيلية عن مشاريع استثمارية في 6 دول أفريقية بتنسيق مغربي إسرائيلي. وترى الجزائر أن الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء (يوليو 2023) جزء من استراتيجية لتصفية القضية.
تاريخ من المد والجزر
شهدت العلاقات بين البلدين تقلبات حادة منذ تولي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الحكم عام 2019، إذ اختلفت الرؤى حول دعم الإمارات للمغرب في الصحراء، وفتح قنصلية إماراتية في العيون، وتورط أبوظبي المزعوم في دعم حملات ضد الجزائر في الساحل الأفريقي.
ورغم محاولات احتواء الأزمة، مثل اللقاء الوجيز بين تبون وبن زايد في قمة السبع (يونيو 2024)، إلا أن الخلافات ما زالت تطفو على السطح.
المنظور الإماراتي: الأولوية للمصالح
من جهتها، تؤكد الإمارات أن سياساتها في أفريقيا والمغرب تستند إلى منطق اقتصادي واستراتيجي، وترفض "تسييس" استثماراتها. وفي رد غير مباشر على الاتهامات الجزائرية، أشارت مصادر إماراتية إلى أن تصريحات "سكاي نيوز عربية" لا تعبر عن الموقف الرسمي، معتبرة الرد الجزائري "تصعيدًا غير مبرر".
كما تُذكّر أبوظبي بأنها لا تزال أكبر مستثمر خليجي في الجزائر (661 مليون دولار)، عبر مشاريع في الطاقة والزراعة والسياحة.
خلافات فوقية واستثمارات متجذرة
رغم السجال السياسي، تُظهر الدراسة أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين صامدة، مع استمرار الاستثمارات الإماراتية الضخمة في مشاريع جزائرية مثل "دنيا بارك" ومجمعات فندقية وصناعات سيارات.
لكن الخبراء يحذرون من أن استمرار التصعيد قد يعمق عزلة الجزائر دوليًا، في وقت تتشكل فيه تحالفات جديدة بقيادة المصالح بدل الأيديولوجيات.
اقرأ ايضاً:
من الخلافات السياسية إلى الإهانات العلنية.. القصة الكاملة للأزمة الجزائرية الإماراتية