تعاني دول الخليج من هشاشة أمنية كبيرة نظرا للضعف الاستراتيجي العام الذي تتصف به هذه الدول نتيجة قلة عدد السكان وثروة نفطية هائلة فضلا عن إحاطتها بدول إقليمية ذات أطماع وتهديدات مستمرة من جانب إيران تحديدا، إضافة إلى تهديدات أمنية أخرى تتمثل بالجماعات الجهادية، يقابلها حساسية عالية وخشية مستمرة من جانب صناع القرار في الخليج من تعرض أمنهم وأمن بلادهم وثرواتهم للاعتداءات أيا كانت وأيا كان مصدرها. وفي مقابل ذلك، فإن دول الغرب تتعامل مع حالة الضعف الاستراتيجي الدفاعي بانتهازية كبرى، تجد فيها دول الخليج مضطرة إلى الدخول في تحالفات واتفاقات عسكرية سرية واستضافة قواعد عسكرية على أراضيها تارة، وتنفق مليارات الدولارات سنويا على التسليح في عملية شراء مستمرة، تضمن استمرار تشغيل هذه المصانع وزيادة دخل تلك الدول واستمرار دوران "تروس" مصانع التسليح الغربية.
ولفترة طويلة استمرت دول الخليج في القيام بدور دفاعي بالصور السابقة في تصورها لحفظ الأمن وردع الأعداء، حتى باتت دول الخليج تنخرط في حروب وتتحول من استراتيجية الدفاع إلى استراتيجية الهجوم كما هو الحال
في دعم دول خليجية للحرب على مالي أو الهجوم على ليبيا أو المشاركة القوية في ضربات ضد الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وكل ذلك لحفظ أمن الخليج وفق رؤية وتصور الحكومات الخليجية التي فعلت كل ما تستطيع، كل ما يلزم وما لا يلزم ليظل الأمن القومي الخليجي مصانا والتنمية والثروة الخليجية بعيدة عن التأثر بمنطقة دائمة الاشتعال والانفجارات.
الإنفاق العسكري الخليجي
يعتبر الإنفاق الخليجي العسكري في صفقات السلاح هو الأعلى في العالم، يصل سنويا إلى عشرات المليارات. إذ تتقدم السعودية بمبلغ إنفاق عسكري منذ الحرب العراقية الإيرانية وحتى الآن 150 مليار دولار، بنحو 5 مليارات دولار سنويا للسعودية وحدها، والتي لم تخض طوال هذه الفترة إلا حربا ضد الحوثيين في اليمن عام 2009، بينما الحرب مع العراق عام 1991 كانت بأسلحة قوات التحالف.
وعادة توصف غربيا صفقات السلاح الغربية إلى دول الخليج العربي بصفات السلاح "الغبية" كونها تعمل على تكديس للسلاح دون استخدامه في أي حرب مباشرة حتى الآن. دولة الإمارات وقطروالكويت وعمان والبحرين تنفق مجتمعة أيضا عشرات المليارات سنويا على السلاح سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. أي أن هذه الدول مع السعودية قد تشتري السلاح لقواتها مباشرة أو قد تشتريه لفصائل سورية تعمل ضد الأسد، كما تفعل السعودية وقطر، أو كما تفعل الإمارات والسعودية في صفقة سلاح روسية لمصر بنحو 3 مليارات دولار.
ويأتي الإنفاق الخليجي العسكري على الفصائل السورية أو الجيش المصري أو المشاركة في ضربات ضد ثوار ليبيا أو ضد الدولة الإسلامية في سياق اعتبار دول الخليج هذه القنوات التي تنفق فيها، إنما تقوم بحماية أمن الخليج، نظرا لإمكانية تأثرها المباشر في الصراع في سوريا أو توهمها بإمكانية تضررها من نجاح الثورات العربية معتبرة أن هذه الثورات تهدد دول الخليج بصورة وأخرى.
وقد وصلت صورة الإنفاق العسكري الخليجي على السلاح بصورة غير مباشرة، أن تقارير تفيد بأن دولة الإمارات تمول صفقات سلاح للمتمردين في ليبيا، في حين قطر تمول الثوار. وفي المحصلة، تحسب كل هذه الأموال
ضمن الانفاق العسكري لدول الخليج حماية لأمنها سواء في التهديدات القريبة أو البعيدة. ومع ذلك، ورغم الانفاق العسكري الهائل إلا أن هذا الانفاق ليس إلا سبيلا واحدا من سبل كثيرة لحماية أمن الخليج الذي لا يزال أيضا ضعيفا.
الانفاق العسكري في أرقام
يشير تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في أحدث إحصاءات معلنة، إلى أن الإنفاق العسكري الخليجي قد ارتفع في الفترة بين 1988 و2009 في سلطنة عمان من 2.11 إلى 4 مليارات دولار، والكويت من 3.31 إلى 4.58 مليارات دولار، والسعودية من 17.83 إلى 39.25 مليار دولار، وفي البحرين من 232 إلى 721 مليون دولار. ولا توجد بيانات مكتملة لتطورات هذه الفترة في تقرير سيبري حول قطر أو الإمارات.
و أشارت بعض المصادر الدولية إلى أن إجمالي النفقات الدفاعية لدول الخليج قد بلغت في الفترة بين 1997 و2006 أكثرمن ثلاثمائة مليار دولار، مما جعلها الأولى عالميا على صعيد الإنفاق العسكري، قياسا بناتجها القومي الإجمالي. وحسب مصادر أخرى، فقد أنفقت هذه الأقطار في الفترةبين 2000 و2005 ما مجموعه 233 مليار دولار.
و سجلت دول الخليج مستويات متقدمة على صعيد نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج القومي الإجمالي. واحتلت سلطنة عمان المرتبة الأولى عالميا على هذا الصعيد، بنسبة 10.4% في العام 2007.
وفي العام ذاته، بلغت هذه النسبة في البحرين 3.2%، والكويت 3.8%، وقطر 2.5%، والسعودية 9.2% والإمارات 5.9%.
وعلى مستوى حصة الفرد السنوية من الإنفاق العسكري، فقد حلت عُمان في المرتبة الثالثة عالميا، بعد كل من إسرائيل والولايات المتحدة على التوالي بواقع 1650 دولارا للفرد. وجاءت الكويت في المرتبة الخامسة عالميا بعد سنغافورة بواقع 1600 دولار للفرد. أما السعودية فكانت السادسة عالميا بواقع 1500 دولار للفرد.
الوجود العسكري والقواعد العسكرية
من أجل حفظ أمن الخليج باهظة التكاليف ومرتفعة الثمن، والابتزاز المستمر من جانب دول تصدير السلاح أو استقواء إيران على دول الخليج، الذي يراع البعض استقواء تستفيد منه دول الغرب حتى تظل الدول الخليجية متحسبة لأي عدوان ما يدفعها لاستمرار شراء صفقات السلاح أو بقاء الوجود الأجنبي في المنطقة، وهو وجود مكلف. بطبيعة الحال، لا توجد إحصاءات وأرقام محددة لتكلفة وجود قواعد عسكرية غربية في دول الخليج، قواعد أمريكية، وبريطانية، وفرنسية، وغيرها، ولكنها بلا شك مكلفة جدا، تتمثل بوجود برتوكالات موقعة بين الدول الخليجية ودول تلك القواعد العسكرية غير معلنة، تتضمن تكاليف إنشاء القواعد العسكرية، و كلفة تشغيل تلك القواعد فنيا وبشريا، ومتطلبات أمن وحماية تلك القواعد، وكل هذه الإجراءات ذات تكلفة عالية جدا.
تدفعها ميزانيات الدول وأموال الشعوب، بصورة أصبح لدى دول الخليج ما يمكن تسميته "اقتصاد الأمن" إشارة إلى الإنفاق على الأمن كونه انفاق بات يستنزف الموارد الاقتصادية الهائلة التي تتمتع بها دول الخليج، لتذهب ثرواتها بصورة وبأخرى إلى الدول الغربية التي تشتري النفط العربي ثم تعيد تصديره بصورة وأشكال وصناعات مختلفة بأثمان أكبر من ثمن النفط.
مرتزقة لحفظ الأمن
رغم وجود قوات درع الجزيرة التي تتشكل من قوات من كافة الدول الخليجية، وجيوش الدول الخليجية إلا أن الهاجس الأمني لا يزال مسيطرا على دول الخليج فيما يتعلق بالأمن الداخلي أو الخارجي على حد سواء. فقد أخذت دول خليجية تعمل على استقدام شركات أمنية سيئة الصيت مثل بلاك ووتر، ومرتزقة من كولومبيا وصربيا و النيبال كما هو الحال في دولة الإمارات والبحرين، ويتردد أن مئات ملايين الدولارات تنفق سنويا على مئات العناصر التي تعمل في هذه الشركات الأمنية الخاصة.
التجنيد الإجباري
أحد أبواب حفظ الأمن التي تسعى لها دول الخليج سن قوانين التجنيد الإلزامي للذكور في الإمارات وقطر والكويت والسعودية، من سن 18 عاما وحتى سن 35. ولا يخفى أن العمل بنظام التجنيد الإجباري له تكلفة اقتصادية واجتماعية كبرى، تؤدي إلى تكلفة مباشرة وأخرى غير مباشرة. فالتكلفة المباشرة هي ما يتطلب إنشاء معسكرات وتدريب و توفير "مؤن" وملابس عسكرية، ورواتب وصناعات عسكرية مرتبطة بالتجنيد والتدريب واستقدام المدربين. أما التكلفة غير المباشرة فتتمثل في تعطيل المواطن الخليجي لنحو عامين بعيدا عن عمله ووظيفته التي يتركها طوال فترة التجنيد، وتعطيل مسار مستقبله ودراسته، وغيرها من الشؤون الحياتية الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.
التحالفات العسكرية في سبيل أمن الخليج
لعل أحد وأخطر مداخل الدول الخليجية التي يتصورها صناع القرار أنها تحفظ أمن الخليج، هو الانخراط في محاور وأحلاف عسكرية، على غرارالتحالف الدولي الراهن ضد الدولة الإسلامية، والتي انخطرت فيها غالبية دول الخليج، وفاخرت بأنها تتقدم صفوف هذه التحالف. بل ذهب الوزير الإماراتي أنور قرقاش إلى اعتبار أن الإمارات من أكثر الدول التزاما بمحاربة "الإرهاب" وأنها من أول الدول التي سارعت للانضمام إلى التحالف، رغم أنه ليس معروفا بعد مدى علاقة واستفادة الدول الخليجية وشعوبها من هذه الحرب، ومدى حفظها وحمايتها لأمن الخليج.
فقد وردت تقارير مبدئية تشير إلى أن تكلفة التحالف ضد الدولة الإسلامية والذي سيمتد لسنوات تقدر ب500 مليار دولار، ستتكفل دول الخليج تغطية معظمها. حتى لو أن دول الخليج عضوا في حلف الناتو لما وصلت عليها تكلفة الحلف إلى هذه الأرقام الفلكية، إلا إذا ظلت في موضع الابتزاز والتخويف من أعداء حقيقيين كإيران، أو أعداء وهميين كثورات الشعوب العربية التي أصبحت إحدى ألد أعداء دول خليجية تنفق عليها عسكريا وكأنها تنفق على حماية عواصمها من احتلال غربي.
اقتصاد السلاح واقتصاد الأمن
في الدول الغربية، فإن ما يمكن أن نسميه "اقتصاد السلاح" أي بيع صناعات السلاح هو اقتصاد مزدهر ونام ولديه زبائن دائميين في الخليج، ويقوم هذا الاقتصاد بدوره في حفظ أمن تلك الدول ولا سيما الأمن الاجتماعي الذي تحتاجه جراء استمرار الوظائف والعمل وحركة الاقتصاد والتنمية. في حين أن "اقتصاد الأمن" لدى الدول الخليجية، لا يزال يراوح مكانه، إذ من الواضح والمؤكد أن جميع طرق تحقيق الأمن التي اتبعتها دول الخليج لم تفلح حتى الآن بتوفير الأمن، ليس بمعنى عدم وقوع حرب أو استهدافها من جانب جماعات، وإنما بمعنى وصول دول الخليج لوضع آمن تستطيع من خلاله الاستغناء عن هذا الانفاق العسكري الهائل، أو استضافة قواعد عسكرية بتكلفة اقتصادية وسياسية وأمنية أيضا، أوالاستغناء عن تحليق طائرات إماراتية وسعودية في سماء سوريا وليبيا، أو الاستغناء عن شركات الأمن الخاصة وتجميد قوانين التجنيد الإجباري وعدم عسكرة دول الخليج أكثر مما هي عليه الآن. فالمتتبع للخط البياني في العلاقة بين الأمن وأوجه الانفاق عليه يجد أن الأمن لا يزال بعيد المنال.
الأمن بتكلفة صفرية
مئات المليارات يكلف حفظ الأمن في الخليج، وهي تكلفة باهظة في كل الأحوال، وبغض النظر عن أن هذه التكلفة هي جزء من المشكلة أم جزء من الحل،إلا أن هناك طرق يمكن أن تحقق الأمن بتكلفة صفرية، تتمثل بصورة مباشرة، بالإصلاح السياسي والإداري والاجتماعي وإفساح الحرية لشعوب الخليج بأن تكون جزءا من حفظ الأمن مع توسيع مفهوم الأمن بصورة عادلة وحقيقية، عندها يكون المواطن الخليجي أفضل ضامن لأمنه وأمن بلاده وأمن قيادته، وبتكلفة صفرية، ومجدية، تغني عن جميع الطرق السابقة، وتحقق بالفعل لدول الخليج الأمن المستتب، بعد فشل استتبابه حتى الآن رغم كل ما سبق من جهود وأموال.