نجحت الاعتصامات والاحتجاجات الشعبية في محافظة المهرة شرقي اليمن، في جعل السعودية ترضخ لمطالب المعتصمين الرافضة لهيمنة وسيطرة قوات تتبع المملكة على مواقع سيادية.
وبعد أكثر من شهرين على بدء الاعتصامات بالمهرة، التي رفعت أهدافا تتضمن في مجملها الحفاظ على السيادة الوطنية، أُبرم الخميس اتفاق بين السلطة المحلية بالمهرة والقوات السعودية، ينص على الموافقة على المطالب الستة للمعتصمين.
وجاء في الاتفاق الموافقة على معالجة القوة الموجودة في منفذ صرفيت الحدودي مع عُمان واستبدالها بقوة من الأمن العام، مع ممارسة السلطة المحلية بالمهرة السيادة على منافذها البرية والبحرية والجوية، وعدم السماح لأي قوة لا تخضع لها بالتدخل في الشؤون الداخلية للمحافظة.
وشمل الاتفاق وضع آلية لاستيراد البضائع والسلع بالمنافذ الجمركية بمنع دخولها كونها تدخل ضمن المجهود الحربي.
ووفقا للاتفاق سيعاد فتح مطار الغيضة الدولي للطيران المدني، وأن تكون جميع مكونات المطار تحت إشراف وإدارة هيئة الطيران المدني، وأن تكون البوابات الرئيسية للمطار تحت حراسة الأمن العام (الأمن المركزي)، ما عدا البوابة الشرقية التي ستكون تحت إشراف قوات التحالف بقيادة السعودية والشرطة الجوية.
أهمية المهرة
وتكتسب المهرة أهمية بالغة حيث تعد ثاني أكبر محافظة يمنية من حيث المساحة بعد حضرموت، ويوجد بها منفذان حدوديان مع عمان هما صرفيت وشحن، وأطول شريط ساحلي باليمن يقدر 560 كم، وميناء "نشطون" البحري.
ولم تصل الحرب القائمة بين الشرعية والحوثيين إلى المهرة، وظلت المحافظة موالية للشرعية، وسط استقرار أمني.
ومنذ نهاية العام الماضي ومطلع العام الجاري، دفعت السعودية بقوات وتعزيزات عسكرية إلى المهرة، تحت شعار محاربة التهريب.
تعليق الاعتصام
وقال مسؤول اللجنة الإعلامية لاعتصام المهرة سالم بلحاف "إن الاعتصام لم يرفع، بل تم تعليقه واتفق جميع المعتصمين على ميثاق شرف لنصرة المحافظة والحفاظ على السيادة الوطنية، إذا أُخل بالاتفاق".
وأوضح أنه جرى تعليق الاعتصام لمده شهرين، مبينا أن المعتصمين أكدوا في ميثاق الشرف أنهم عائدون إلى الساحات إذا لم ينفذ الاتفاق.
وتحدث بلحاف أن بوادر التنفيذ ظهرت من خلال تسليم مطار الغيضة الجمعة، كاشفا أن تسليم المنافذ الأخرى سيكون اليوم الأحد.
وقال "هناك اتفاق بين السلطة المحلية والتحالف العربي واتفاق آخر بين السلطة المحلية والمعتصمين على ضرورة تنفيذ النقاط الست كاملة".
وأشار إلى أن العوامل التي ساعدت على التوصل إلى الاتفاق، تتمثل في وحدة أبناء المهرة، والتأييد الشعبي للمطالب كونها تعمل على تحسين السيادة الوطنية وتعزيز موقف الشرعية.
ولفت إلى أن المعتصمين لم يكونوا ضد التحالف العربي، ولكنهم يؤكدون ضرورة تصحيح المسار وعودة التحالف إلى أهدافه المعلنة لدعم الشرعية.
معادلة جديدة
ويرى المحلل السياسي، ياسين التميمي، أن الاتفاق يؤشر إلى بدء مرحلة من العلاقات مع التحالف، تترسخ فيها معادلة جديدة، يمثل فيها الشعب والرأي العام طرفا مهما، في ظل الإضعاف الممنهج من جانب التحالف لنفوذ وصلاحيات الشرعية.
وقال في تصريح لوسائل إعلام خليجية: "حتى الآن، ليس هناك ما يؤشر إلى نية السعودية خفض وجودها العسكري في المهرة، والأمر يتعلق بتخفيف وجودها في المنافذ ومنح السلطات المحلية فرصة إدارتها، وليس الانسحاب منها".
ويضيف "في أحسن الأحوال هناك انسحاب جزئي فقط، كما هو الحال في المطار الذي سيظل تحت السيطرة العسكرية من جانب الرياض".
ورغم أن التميمي يرى أهمية رضوخ السعودية للضغوط الشعبية وقبولها بسحب قواتها من المطار والمنافذ البرية والبحرية، فإنه يبدي تشاؤمه من هذا النوع من الاتفاقات.
وأشار إلى أن الاتفاق يحقق للسعودية أهدافا بعيدة المدى، منها ما يتعلق بتكريس نفوذها ووجودها الحيوي في هذه المحافظة المهمة.
ولفت إلى أن الاتفاق يقتضي بالطبع العمل الدؤوب على تحييد الحكومة المركزية، والدخول في صفقات مع السكان المحليين قد تنسحب على المخططات التي تزمع السعودية تنفيذها في هذه المنطقة في ضوء معلومات تتحدث عن قناة بحرية تربط الخليج ببحر العرب عبر المهرة.
نضال حقيقي
من جانبه، يقول المحلل السياسي، نبيل البكيري، "إن ما حدث في المهرة يعكس حقيقة العلاقة المختلة بين التحالف والحكومة الشرعية".
واستطرد "لكن لا يعني أن تمرير أي مشاريع أو أجندة خارجية في إطار هذا الفراغ، عدم وجود اتفاق واضح بين الشرعية والتحالف".
وأوضح أن أصحاب الأرض يبقى لهم حق التعبير عن امتعاضهم وعدم رضاهم عن هذه السياسات، والمطالبة بتمكينهم من إدارة مناطقهم بعيدا عن وصية أي طرف.
ويصف فكرة الاعتصامات التي نفذها أهالي المهرة بأنها "فعل عظيم ونضال حقيقي".
ودعا إلى استنساخ هذه الفكرة في الكثير من المناطق المحررة في التعبير عن رفضهم لمثل هذه السياسات، بحسب "الجزيرة نت".