تساءل الكاتب والباحث الأمريكي بروس ريدل، مدير الأبحاث الاستخباراتية في معهد بروكينغز، لماذا مازال الأمير محمد بن سلمان بحاجة لوالده الملك سلمان، بعد عام من تعيينه كولي للعهد، رغم أن الابن، الذي يوصف بأنه “الحاكم الفعلي” للملكة، عينه على العرش، بل وقد انتشرت تقارير أن تنازل والده له مسألة وقت فقط.
وفي إجابته على هذا السؤال قال الباحث الخبير، مؤلف كتاب” ملوك ورؤساء: السعوديات والولايات المتحدة منذ روزفلت”، في مقال له بموقع “المونيتور” إنه “بعد عام من تعيين الملك ابنه وليا للعهد، فإن الأمير البالغ من العمر 32 عاما لا يزال يعتمد على والده في مجال الشرعية والمصداقية”.
واعتبر الكاتب “أن الأمير محمد عمل على خلق حالة من الاستقطاب التي لم يشهدها آل سعود منذ أكثر من نصف قرن”.
ويعود المكاتب إلى صعود محمد بن سلمان اللافت، حيث أن والده الملك سلمان عزل في الصيف الماضي الأمير محمد بن نايف، الذي كان الرجل الثاني في تسلسل الحكم، وعين ابنه بدلا منه، دون أي تفسير.
وأشار إلى أن بن نايف كان ناجحا في هزيمة تنظيم القاعدة داخل السعودية، وأحبط عددا من المحاولات الإرهابية في أوروبا والولايات المتحدة، ونجا من عدة محاولات اغتيال من قبل القاعدة.
ولي العهد المعزول والمراقب
وذكر الكاتب أن الأمير محمد بن نايف يعيش منذ عزله عن ولاية العهد ووزارة الداخلية، تحت الإقامة الجبرية، ويتم رصد مكالماته كلها، والتحكم بمن يزوره، وجمدت حساباته المصرفية في نوفمبر.
ولفت إلى أن فرع نايف من عائلة آل سعود، سيطر على وزارة الداخلية منذ السبعينيات من القرن الماضي، وهي بيروقراطية ضخمة تم تعيين معظم أفرادها بناء على علاقاتهم مع عائلة ابن نايف، وتقول مصادر إن المعنويات فيها تراجعت منذ عزل الأمير محمد.
ويذكّر الكاتب بأن العديد من الأمراء معتقلون منذ الخريف الماضي، في موجة من الاعتقالات للأمراء ورجال الأعمال والشخصيات العامة في المملكة، ويشير إلى أن أنه لم يتم توجيه لأي من المعتقلين اتهامات، ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد ابتزازهم ودفع المال.
لماذا يستمر احتجاز ابن الملك الراحل وسط غضب عائلي
ويسلط الكاتب الضوء على “الأمير تركي بن عبدالله، الابن السابع للملك عبدالله، الذي لم توجه له أي تهم، وحرم من الاستشارة القانونية، ولا يسمح له إلا باتصالات سريعة مع عائلته، ويقال أن مدير مكتبه السابق الجنرال خالد القحطاني مات تحت التعذيب”.
ويلفت إلى أن “الأمير تركي ولد عام 1971، وأصبح طيارا في سلاح الجو الملكي السعودي، وتم ترقيته لقائد سرب، وعينه والده نائبا لأمير الرياض وأصبح أميرا عليها عام 2014، وقام ببناء مترو الرياض”، و يشير إلى ان ” إمارة الرياض تعد الأهم في السعودية؛ لأن معظم أفراد العائلة المالكة يعيشون فيها، ويعرف أمير المنطقة أسرار العائلة المالكة كلها، مما يعطيه نفوذ كبير، وقد شغل الملك سلمان منصب أمير الرياض لأكثر من خمسين عاما قبل أن يصبح وليا للعهد”.
ويكشف الكاتب أن “استمرار اعتقال الأمير تركي أدى إلى توتر داخل العائلة، ودعا كل من الأميرين أحمد ومقرن الملك للإفراج عن الأمير تركي، ولم تتم الاستجابة لهما، وهو أمر غير عادي في بيت آل سعود، والأمير تركي هو أبرز أمير لا يزال في السجن منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، وتم اعتقال شقيقه متعب بن عبدالله، قائد الحرس الوطني السابق، وهو المنصب الذي شغله والده منذ الستينيات من القرن الماضي، وقد أفرج عن متعب بعد فترة قصيرة، ويتولى تركي إدارة مؤسسة الملك عبدالله، التي تقدر قيمتها بـ20 مليار دولار”.
ويشدد الكاتب على أن “وزارة الداخلية والحرس الوطني تعدان من أهم المؤسسات داخل المملكة، ولا يوجد ما ينافسهما، وكلاهما يؤدي دورا وله نفوذ في العاصمة والأماكن المقدسة، وتسيطران على السلاح والعناصر المهمة في المملكة”.
ويلفت إلى استمرار حبس عضو في عائلة ابن لادن التجارية ومستشار اقتصادي بارز سابق للأمير محمد نفسه ، في إشارة لوزير الاقتصاد السابق عادل الفقيه، الذي كشفت صحيفة “ول ستريت جورنال” قبل يومين ، و نقلاً “عن مسؤولين إلى أن السلطات فكرت في توجيه اتهامات له بتدبير مؤامرة لفصل منطقة الحجاز، إلا أن المقربين من الفقيه يقولون إن هذه الاتهامات لا تقوم على دليل”.
عائلة منقسمة بشكل غير مسبوق
ويلفت ريدل إلى إن “السابقة الوحيدة في الصراع على السلطة في العائلة ما حدث في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، من صراع بين الملك سعود، الذي تولى العرش بعد وفاة والده المؤسس الملك عبد العزيز، لكنه همش إخوانه بفساده ومخالفاته. وأنه وفي عام 1958 كان الملك سعود في العرش لمدة خمسة أعوام عندما كشف الرئيس المصري جمال عبد الناصر عن تورطه في محاولة لاغتياله، وأن بعد هذه الإهانة تم تجريده من سلطاته كلها على يد ولي العهد الأمير فيصل، واستمر الصراع لخمسة أعوام أخرى، قبل إجبار الملك سعود على التنازل، وإرساله للمنفى، وأصبح الأمير فيصل ملكا”.
ويرى الكاتب أنه “خلاقا للماضي، فإن العائلة المالكة منقسمة بشكل عميق، وطالما ظل الملك سلمان في الحكم فلا فرصة لانقلاب داخلي في العائلة؛ لأن سلمان لديه الشرعية، وهو ليس ميتا دماغيا أو عاجزا، بل هو مشارك في الأمور المهمة أكثر مما تشير إليه التقارير الإعلامية الغربية، ومنح ابنه “غطاء جويا”، كما قال أحد المسؤولين البارزين، فلو عاش لعقد آخر فستحدث تغيرات كثيرة، لكن لو مات فإن المراهنات كلها ستنتهي”.
الاغتيال يظل أمرا محتملا
ويعتقد ريدل أن “الاغتيال يظل أمرا محتملا، خاصة أن الملك فيصل اغتيل، وهناك شائعات عن تعرض ولي العهد لمحاولة اغتيال في أبريل، حيث ظل بعيدا عن الأضواء لشهر تقريبا، وقد ظل الحادث غامضا، لكنه يشير إلى حالة من عدم الاستقرار في المملكة وسط أقاويل عن أن ولي العهد مهووس بأمنه”.
حرب اليمن وسيناريو الإطاحة بالملك سعود
ويقول الباحث إن بصمة ولي العهد البارزة في السياسة الخارجية كانت في حرب اليمن، و أن السعودية وحلفائها يأملون في أن معركة السيطرة على ميناء الحديدة اليمني المهم، سيرجح موازين القوى لصالحهم بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحملة المعلنة على الحوثيين”، غير أنه يرى “أن الحملة ليس إلا محاولة يائسة من السعودية للخروج من مستنقع الحرب في اليمن، التي كلفت المملكة أموالا طائلة، وعرضت الملايين من اليمنيين للمجاعة، وقدمت فائدة لعدوتها اللدودة إيران”.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول “من المفارقة أن حربا في اليمن قبل 55 عاما كانت القشة التي قضت على الملك سعود، حيث استخدم الملك فيصل تدخل عبد الناصر في اليمن لتعزيز مركزه، وطار الملك سعود إلى القاهرة، ومنها إلى أثينا، ولم يعد أبدا إلى السعودية”.