رغم علاقته القوية مع الخليج، يبدو أن قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، لديه عقيدة صارمة في النزاعات، تسبب له بين كل حين وآخر مشكلات مع دول مجلس التعاون، أو السعودية تحديداً.
فمصر تواجه توقعاتٍ عالية من جانب السعودية ورعاتها الآخرين من دول الخليج بوقوفها بصفِّهم في ظل تصاعد حدة التوتر مع خصمهم الإيراني، ويتضمن هذا أن تضع ثقلها العسكري -المتمثِّل في أكبر جيش عربي قائم- بالأزمة إذا ما بدت الحاجة له.
لكنَّ من الواضح أنَّ مصر لا رغبة لها في التورُّط بنزاعٍ عسكري ولا تريد أن ترى ذلك التوتُّر القائم يُدخل المنطقة في دوَّامات معركة سعودية-إيرانية بتوكيل أطرافٍ أخرى، مثلما حدث في العديد من المعارك التي تُمزِّق الشرق الأوسط الآن.
ومن هنا، فإنَّ تردُّد مصر قد يؤدي إلى توتُّراتٍ بين القاهرة والرياض، حسب تقرير لوكالة أسوشيتد برس الأميركية.
تحذيرات من التورط
وقد حذَّر مُعلِّقون مصريون صراحةً من التورُّط في نزاعٍ عسكري يبدأه السعوديون؛ فكتب عماد حسين، محرِّر صحيفة "الشروق" المصرية المقرَّب من الحكومة: "إنَّ واجب مصر الوطني هوَ أن تُخبر إخوتنا بأنَّنا نقف في صفِّهم للدفاع عن أمن السعودية، والخليج، والمنطقة بأكملها، لكنَّ هذا لا يعني أن ننجرَّ على أيديهم إلى حروبٍ ونزاعاتٍ، هي في جوهرها طائفية ولا فائدة فيها لأحدٍ سوى أعداء الأمة العربية".
وقد دفع وليُّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بسياساتٍ إقليمية عدوانية، من بينها التدخُّل العسكريّ في اليمن، وحصار قطر، والخطوة الأخيرة ساندته مصر في تحقيقها.
ويتفق النظامان الحاكمان في البلدين على معاداة تيار الإخوان المسلمين، متهمَين إياه بإقامة تنظيم يتحرك في الظل لأسلمة المجتمع وإبعاده عن النظام العلماني المفروض الآن، فضلاً عن دعمه للمخططات الرامية إلى إسقاط نظام آل سعود في مكة والمدينة، حسبما ذكر في تقرير لصحيفة Occhi della Guerra الإيطالية.
ومن هذا المنطلق، وظّف حكام السعودية كل نفوذهم لدعم السيسي، واستفادوا منه لخدمة مصالحهم.
فقد ساندت الرياض السيسي بدعمٍ ماديٍّ كبير، فيما عانى الجنرال، الذي أصبح رئيساً، لترميم اقتصاد مصر المهلهل.
ويُقدَّر أنَّ المملكة قد قدَّمَت لمصر أكثر من 10 مليارات دولار مِن منحٍ وقروضٍ بتسهيلاتٍ في السداد منذ عام 2013 حتى الآن، بالإضافة لعدةِ شحناتٍ من الوقود المجانيِّ التي تُقدَّر بعشرات الملايين من الدولارات.
قطر فقط توحّدهم
وفي مايو 2017، ظهر السيسي إلى جانب الملك سلمان والرئيس الأميركي في الرياض خلال افتتاح المركز العالمي لمكافحة التطرف، بعد أيام قليلة من مسارعة حكومته للمشاركة في الحصار المسلط على قطر.
ومن المعروف أن الدوحة تعتبر أحد الداعمين لتيار الإخوان المسلمين، وهو الدافع الرئيسي للموقف المصري المعادي لقطر.
ولا يعني هذا الانصياع لمشيئة آل سعود أن مصر باتت منسجمة بشكل كامل مع المواقف والخيارات السعودية وأنها أصبحت رهينة دائرة نفوذ الرياض.
فقد أظهر السيسي عكس ذلك، حيث حاول التحرك بشكل مستقل عن داعميه في الرياض؛ وذلك بهدف تحقيق مكاسب مالية بالدرجة الأولى، فضلاً عن ابراز مصر على اعتبارها دولة رائدة ومهمة في المنطقة.
ومن ثم، وعلى الرغم من الضغوط الكبيرة التي مورست على القاهرة من قِبل واشنطن والرياض، أبت الحكومة المصرية دعم أي عمل عسكري محتمل ضد حزب الله على الأراضي اللبنانية.
وقد لفت موقف السيسي نظر المغردين في دول الخليج؛ إذ أشاروا إلى أن السيسي يتعاون مع السعودية والإمارات ضد قطر أبناء عمومتهم، بينما يرفض التحالف معهم ضد الخطر الإيراني.
وتساءلوا بسخرية عن مسافة السكة، وهو التعبير الذي سبق أن قاله السيسي كتعهد ضمني بسرعة نجدة دول الخليج إذا تعرضت للتهديد.
يستطيع أن يقول "لا"
ولَم تكن هذه أول مرة يقول فيها السيسي "لا" للرياض، فقد أبدت مصر من قبلُ استعداداً لمقاومة مطالب السعودية، وتحديداً في عام 2015، حينما تعرَّضت مصر لضغطٍ سعوديٍّ وخليجيٍّ شديد لإرسال قواتٍ بريَّة للقتال جنباً إلى جنب مع الائتلاف الذي تقوده السعودية ضد الشيعة المدعومين من قِبل إيران في اليمن.
وبدلاً من الامتثال، قصرت مصر مشاركتها في الحرب على إرسال سفنٍ وطائراتٍ حربية للقيام بدوريات ومهمات استطلاع على امتداد جنوب البحر الأحمر.
فلدى مصر ذكرياتٌ سيئة تحملها مِن تدخُّلها بحرب اليمن الأهلية في ستينيات القرن الماضي، حيث ساندت مصر الجمهوريين ضد النظام الملكي المدعوم من قِبل السعودية، في مغامرةٍ عسكرية مكلِّفة سيئة الطالع.
كذلك، ابتعدت مصر عن حملة الرياض للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وساندت التدخُّل العسكري الروسي في صفِّ الأسد، وفاوضت لإقرار وقف إطلاقٍ للنار على نطاقاتٍ محلية بين الحكومة والمعارضة.
غضب سعودي
أغضبت تلك الاختلافات الرياض؛ ما أدَّى إلى توقيفٍ مؤقت للمساعدات الممنوحة لمصر في وقتٍ سابق من العام الجاري (2017).
وقال إريك تريجر (من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى)، إنَّه في نهاية الأمر فإنَّ السعودية "لم تحصل على تغييرات السياسة الخارجية التي أرادتها من مصر في مقابل دعمها السخيّ لها".
وأضاف: "تعلَّم السعوديون التأقلم مع التدخُّل المصري المحدود في اليمن".
ومنذ ذاك، فإنَّ السعوديين ومصر قد صححوا مسار العلاقة بين البلدين لدرجةٍ ما، متجاوزين عن الضغائن السابقة. والآن تريد القاهرة تفادي الوقوع في مشكلةٍ أخرى مع السعودية بسبب إيران.
وتبدو مصر مصمِّمة على تجنُّب أيَّ انزلاقٍ تجاه الدخول في نزاعٍ مسلَّح.