صعوبات على الطريق
بدأ اعتماد هذا المنهج، ولحسن الحظ أنه أتى بثماره سريعا عندما تأهلت الجزائر إلى نهائيات كأس العالم الماضية بجنوب إفريقيا، لكنها وجدت مقاومة داخلية كبيرة، خصوصا في السنوات الثلاثة الأخيرة، لأنها جاءت على حساب اللاعبين المحليين، وحتى عند إعلان قائمة المنتخب النهائية كانت هناك انتقادات لاذعة لأن كثير من اللاعبين في المنتخب مزدوجي الجنسية، وتم ضمهم على حساب لاعبين شاركوا في التصفيات وساهموا في صعود الفريق وتأهله. وفي بحثنا في تلك التجربة وجدنا أن المدرب تعرض للنقد عندما ضم الحارس رايس مبوحلي للمنتخب، وأكد النقاد أنه بدون ناد، متسائلين كيف يحدث ذلك؟ وأن المدرب وضع إستراتيجية للتخلص من جيل 2010 وأهم لاعبيه عنتر يحيي، وزياني، ومطمور، وغزال، وغيرهم، وأنه يفضل الصحافة الفرنسية على الجزائرية، ومن أجل ذلك فلم يجلس خليلودزتش يوما واحدا إلا وهو على صفيح ساخن، وبرغم كل هذه المعطيات إلا أن ما حققه المنتخب الجزائري أثبت صحة التوجه الذي تبناه اتحاد الكرة مع رابح سعدان منذ 7 سنوات، وهو الاستفادة من المحترفين في الخارج، وأثبتت الأيام أن من كان متهما بالأمس أصبح بطلا أسطوريا ترفع له القبعات اليوم.
العبرة في المستقبل
وعن تلك التجربة يقول الدولي السابق بسام مفتاح والمحلل الفني : «من لم يفهم الواقع، فلن يستطيع أن يخطط للمستقبل، ويجب أن نعترف بأن الكرة الجزائرية قدمت الجديد في كأس العالم بالبرازيل، وأنها لم تكن مشاركة شرفية بأي حال من الأحوال، لأنها قدمت كرة جميلة، ويكفي أنها تأهلت لدور الـ 16 لأول مرة، وكانت ندا حقيقيا في مباراة ألمانيا، والكرة هي لعبة الأجيال، والجيل الحالي قادر علي رفع راية الجزائر».
وأضاف: «وفق اتحاد الكرة الجزائري في أمرين أولهما فتح باب الاحتراف الأوروبي منذ فترة لا تقل عن 15 عاما، كما أنه مع المدرب السابق رابح سعدان يحسب لهما الاتجاه للاستفادة من اللاعبين الجزائريين الأصل الموجودين في أوروبا، وبالتالي فالفضل يعود إلى أوروبا في تلك التجربة، لأن اللاعبين الموجودين هناك لا يختلفوا كثيرا في ثقافتهم الاحترافية عن لاعبي أوروبا أنفسهم، فلم يكن هناك فارق كبير بينهم وبين المنتخبات الأوروبية، وقدموا كرة متطورة تستحق منا أن نرفع لهم القبعات، والكرة الجزائرية تقطف ثمار الجيل الحالي.
وللإمارات عبرة..
وتابع مفتاح، من هنا فأنا أوجه رسالة للاتحاد الإماراتي أن يدعم مسألة الاحتراف في الدوريات الأوروبية، ليس المهم في فرنسا، ولا إنجلترا، ولكن مثلا في بلجيكا، أو في أي دوري أعلى مستوى من دورينا، فلاعبين أو ثلاثة محترفين من الجيل الذهبي الحالي في أوروبا يمكن أن يصنعوا الفارق في المنتخب في المرحلة المقبلة، ولو تأخر لاعبو هذا الجيل عن الوقت الحالي فلن تكون هناك فائدة، ويجب أن نفهم معنى الرسالة أن اللاعب الأوروبي أو «اللاتيني» الذي يأتي ليحترف في دورينا أغلبهم يستبعد من منتخب بلاده، وإن انضم فلا يكون أساسيا، لأن الدوري لا يضيف له شيئا.
خبرات وتجارب
في نفس السياق يؤكد اللاعب الدولي السابق ياسر سالم، عضو اللجنة الفنية في اتحاد كرة القدم، أن أهم ما يمكن الاستفادة منه في التجربة الجزائرية أننا تابعنا ولأول مرة منتخب عربي يشارك في نهائيات كأس العالم وهو يضم 21 لاعبا محترفا في الدوريات الأوروبية، باستثناء الحارسين الاحتياطيين اللذين يلعبان في الدوري الجزائري، وأظن أن الخبرات والتجارب القوية في أوروبا تنعكس على مستوى المنتخب، بدليل أنه عندما تعرض المنتخب للخسارة في المباراة الأولى أمام بلجيكا تمكن من العودة في المباراة الثانية التي فاز فيها بأربعة أهداف، ثم تعادل في الثالثة مع روسيا، وتأهل لدور الـ 16.
وقال: «لولا تجارب لاعبي الجزائر الأوروبية المتميزة لما تمكن الفريق الجزائري من العودة بعد التأخر في النتيجة أمام روسيا، لأن المباراة كانت وكأنها نهائي كأس، ولولا التماسك والخبرة والصلابة لما عاد، ولما صعد، كما أن أهم ما يميز التجربة الجزائرية أن أعمار اللاعبين صغيرة، وأن معظمهم قادر علي الدفاع عن شعار منتخبه وتحقيق البطولات للسنوات السبع القادمة».
وأضاف سالم: «البيئة الأوروبية ممتازة لصناعة اللاعب، ويجب أن يخوض تجربته في سن الـ 20 سنة، وأظن أن الخطوة الثانية بعد رغبة اللاعب تكمن في النادي نفسه، فيجب أن يسمح له النادي بالاحتراف، وأن يوفر الاتحاد خطة لترويج اللاعبين في الدوريات الأوروبية، بمعنى أن اللاعب الإماراتي عندما يتوجه للاحتراف لا يتوقع أن يبدأ مسيرته في ناد كبير، وعليه أن ينشط ويطور مستواه في الأندية المتوسطة والصغيرة حتى يلفت انتباه الأندية الكبيرة.
المنتخب الإماراتي على طريق الاحتراف
وعن الدرس المستفاد في الكرة الإماراتية من تلك التجربة قال: «تحرير اللاعبين هو أول درس يجب أن نستوعبه، لأن إيقاع «دورينا» بطيء، والمنتخبات في كأس العالم تتميز بالسرعة، ولكن الاحتراف الخارجي للاعبينا، لابد أن تتوفر فيه رغبة قوية من اللاعب، فهو يحصل على مبلغ كبير من ناديه هنا، ويسأل نفسه لماذا أغترب في أوروبا، وأدخل منافسة شرسة مع غيري، في حين أنني أحصل على مبالغ كبيرة من النادي الذي أنتمي له في بلدي».
أما جمال جمال بوهندي، مدير المنتخب الأوليمبي، فقد أكد أن الاحتراف الحقيقي هو الذي يمكن أن يطور مستوى اللاعب الإماراتي، وقال: «لو أن لدينا 5 لاعبين محترفين في الدوريات الأوروبية لصنعوا الفارق في منتخبنا، فالجزائر قدمت مستوى مميزا، والنتائج لا تأتي إلا من التجارب الناجحة، والاحتراف يجعل اللاعب يتحلى بالجرأة، فاللاعب الجزائري من خلال تجربته الأوروبية لا يخشى مواجهة أحد، فالاحتراف يفيد منتخبنا، ولكن الأساس عند النادي، لأن النادي لا يقدم مصلحة الوطن على مصلحته، ويجب أن تضحي الأندية، ويجب أن نواجه أنفسنا بالحقيقة، وهي أننا نحب أنفسنا في الأندية أكثر من حبنا لمنتخبنا الوطني، وهذا لن يحقق لنا الإضافة».
اللاعب الإماراتي مؤهل للاحتراف الخارجي
وعن التكوين الفسيولوجي للاعب الإماراتي قال: «اللاعب الإماراتي لديه كل فرص الاحتراف الخارجي، ولكن لابد أن يتوفر للاعبينا الصغار أطقم فنية وطبية متميزة تساعده في بناء العضلات من الصغر بشكل مميز، ولاعب الكرة ليس بحاجة لبناء جسمه مثل لاعب المصارعة أو الجودو أو كمال الأجسام، وأكبر دليل أن من يرى جسم نيمار لا يتخيل أنه لاعب كرة من الأصل، فالعبرة بالسرعة والقوة وسرعة الاستجابة، وسرعة التحول، وهذه الأمور تأتي بكثرة التمرين».
وقال: «في الإمارات لي ملاحظة سلبية على تكوين الأطقم الفنية في الأندية، فالإنسان المناسب ليس في المكان المناسب، فهي غير مناسبة من ناحية العدد، ومن ناحية التخصص والكفاءة، ومن هنا فدور الطبيب في كل الفرق لا يقل في أهميته عن دور المدرب.